متى يتغيّر النموذج الإقتصادي اللبناني؟

إذا كان الحراك الخارجي في ملف رئاسة الجمهوريّة لم تنضج خطواته بعد، والأفق الداخلي يمرّ في انسداد كامل، فما هو المأمول لبنانياً على ضوء التدهور الكبير الذي تشهده الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة والمعيشيّة التي قلّما يكترث لها أولئك الذين يقبضون على ناصية القرار والحكم؟

لم يعد هناك مفرّ من إحداث تغيير بنيوي في المقاربات الاقتصاديّة عموماً بما يتيح الانتقال بلبنان من الاقتصاد الريعي الاستهلاكي الذي يعاني من الإنتاجيّة المحدودة في الصناعة والزراعة والقطاعات الرئيسيّة الأخرى بسبب ارتفاع الأكلاف وعدم توفر الأسواق الخارجيّة للتصدير وسوى ذلك من العوامل السلبيّة.

لكن، بموازاة المصاعب الكبرى التي تولّدها مكامن الخلل الإقتصاديّ البنيويّ على الأداء الاقتصادي العام، ثمّة مشكلة أخرى تفرضها حالة الشلل المؤسساتي التي تفاقمت بعد الشغور الرئاسي، وهي كانت قائمة ولو بشكلٍ متقطع قبل حدوثه نتيجة الأداء السيّئ لبعض الأطراف السياسيّة التي لا تنفك تحارب طواحين الهواء.

إن غياب الاستقرار المؤسساتي لا يساعد البتة على إيجاد الحلول المطلوبة للخروج من عنق الزجاجة. ولكن، الأسوأ من ذلك أيضاً هو غياب الإرادة السياسيّة الإصلاحيّة، حتى ولو كانت المؤسسات الدستوريّة تعمل بشكل طبيعي وانسيابي ومنتج.

لقد أهدر لبنان الكثير من الفرص التي كان يمكن لها أن تساعده على الخروج من الواقع الراهن وأن يمسك أقله بطرف الخيط ليتمكن من العودة إلى الخريطة الدوليّة مجدداً من بوابة الإصلاح الإقتصادي.

التصحيح البنيوي للنموذج الاقتصادي اللبناني يبدو بعيد المنال والدليل ليس فقط في العثرات المتعددة الأوجه المذكورة أعلاه، إنما أيضاً في سلّة الحلول «الترقيعيّة» التي يبتدعها بعض الجهات الرسميّة المولجة إفتراضاً قيادة عمليّة الإنقاذ المرتجاة والمؤجلة منذ ثلاث سنوات، لا بل تراها تزداد سوءاً بفعل الانهيار اليومي لسعر العملة الوطنيّة إزاء الدولار الأميركي من دون أن يكون هناك أية إجراءات رادعة أو خطوات إصلاحيّة لوقف التدهور الحاصل.

من أبرز الأمثلة على ذلك السريّة والضبابيّة التي تلف ما سُمّي «خطة التعافي الاقتصاديّة» وكأنّها سرّ نووي من أسرار الدولة ومن ضمنها مسألة على درجة عالية من الحساسيّة ألا وهي توزيع الخسائر التي لم تتّضح تفاصيلها بعد ولو أن التسريبات بمعظمها توحي وكأنّ التوزيع لن يكون عادلاً وأنّ الودائع القديمة مصيرها الشطب و»عفّى الله عمّا مضى»!

كيف يجوز ذلك؟ وهل من المنطقي أنّ الناس الذين ادّخروا في المصارف جنى أعمارهم بعد عقود من العمل سيفقدون بشطبة قلم كلّ ما يملكون؟ وماذا عن المغتربين الذين وثقوا بالقطاع المصرفي اللبناني وحوّلوا إليه أموالهم من الخارج؟ ماذا سيكون مصير هؤلاء أيضاً؟ قد لا يكون هناك ما يبرر انسياق اللبنانيين خلف الاستفادة الخياليّة من الودائع المرتفعة التي كانت تقدّمها المصارف اللبنانيّة في الحقبة الماضية، ولكن هذا لا يعطي الحق للمصارف والدولة ومصرف لبنان في «التآمر» على حقوق هؤلاء مهما كان الأمر.

لم يعد ممكناً السير بالسياسات الاقتصاديّة القديمة، ولم تعد متاحة ممارسة ذلك الترف المزيف والمجازفة بمصالح المواطنين ومستقبلهم. إذا كان قسم لا يُستهان به من اللبنانيين قد وجد مساراتٍ معيّنة للتكيّف مع الأزمة المتفاقمة على كل الأصعدة، فإنّ ثمّة شرائح أخرى لم تجد طريقها في هذا المجال وهي لا تزال تتكل على تلك الإجراءات «المبعثرة» و»الترقيعيّة» التي تتخذها الدولة من دون تبنّي خطة متكاملة ومدروسة يمكن من خلالها النفاذ نحو حقبة جديدة مغايرة تماماً عن الحقبة الراهنة بكل تعقيداتها ومشاكلها.

المهم أنّ الصراع في المجلس النيابي لا يزال دائراً حول «جنس الملائكة» والاقتراع بالورقة البيضاء كفيل بحل كلّ المشاكل!

 

 

رامي الرّيس – نداء الوطن