في خدمة المعطّلين!

في السنوات الـ15 من الحرب في لبنان كان تعبير “وقف اطلاق النار” المصطلح الأكثر شيوعا الذي سمعه وقرأه اللبنانيون في يومياتهم طوال تلك الحقبة المظلمة . ليس الا ظلم الاقدارما يعيد اللبنانيين الى معادلات نشبه بها زمن الانهيار والفراغ الحالي بزمن الحرب لجهة مقاربة سلوكيات القوى السياسية وتحذيرها من ان المطلوب وقف اطلاق جولات جديدة من الانهيارات أيا يكن الثمن لئلا نترحم على جولات المبارزات بالمدافع !

في الأيام الأخيرة من هذا الزمن الاغر استعرت حرب الصلاحيات “المقدسة” على نار الفتنة السياسية – الدستورية التي يمثلها تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية فحقق المعطلون الهدف الأمثل في مرمى سائر الاخرين حين تصاعدت نار العصبية الطائفية في مسألة انعقاد جلسة لمجلس الوزراء . كان دولار “السوق الموازية” (هكذا يسمونه اصطلاحا لتمييز نيرانه اللاهبة عن السعر الرسمي ) يسابق بنيرانه العصبية الطالعة لدى مسيحيين وموارنة ومسلمين وسنة في شأن تلك الجلسة التي حين تعقد كأنها ستزلزل نظاما دستوريا لم يمسه سؤ بعد ! تجاوز “دولار السوق” ذاك سقف ال42 الف ليرة في غرة شهر الميلاد ورأس السنة على وقع الزعيق العصبي الصاعد حيال جلسة باتوا يصورونها للبنانيين كأنها البداية والنهاية في أزمات متناسلة اين منها إيقاع الجرائم التسلسلية التي يرتكبها عتاة المجرمين المحترفين .

لا ندري حقيقة أي معيار بعد يصح في معايير القوى السياسية حين تختلط أزمات الناس وانهيارات البلاد في اخطر مزيج من ازمة فراغ عرفها لبنان ليس في سدة رئاسة الجمهورية فقط هذه المرة بل في كل نظامه الدستوري والمؤسساتي والسياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي بل والوجودي قاطبة . لا هذه الجلسة التي يصورونها عصا موسى ستكفل شيئا في بحر انهياري سوى بعض التخدير لمسائل شديدة الالحاح ، ولا قطع الطريق على الجلسات الحكومية والتشريعية سيكفل تعويم مكانة لرئاسة جمهورية باتت العوبة ومادة تسخير وتوظيف داخلي – إقليمي . الناس في واد بعيد ناء عن هذا الصخب بعد الأرض من المريخ ولا يزال الأطراف السياسيون يلهون بما يسمى معايير دستورية علما ان هذه المعايير الحقت بضحايا التعطيل ويضحك المعطلون ملء جفونهم وهم يعاينون الاستعادة العصبية للنبرة الطائفية المستنفرة في جولة الجلسة الحكومية التي اخترقت زمن الفراغ .

واقعيا ما كانت هذه الجولة لتحتمل اكثر من مزيد من قلب الشفاه استغرابا لمناخ سياسي سقيم يقيم الدنيا ولا يقعدها حول امر مبتوت محسوم دستوريا ومنطقيا في انعقاد جراحي للجلسات حين تقتضي الحاجة الملحة المبررة حصرا . ومع ذلك انزلق الجميع الى مهرجان ادمان طائفي وعصبي وسجالي بائس عكس الحقيقة الأساسية التي تظلل البلد في زمن الفراغ والانهيار وهي حقيقة تفوق قوى التعطيل ليس في التسبب بمزيد من تطويل الفراغ فقط وانما أيضا في نصب الافخاخ لجعل الازمة تتناسل أزمات عل الضربة تأتي قاتلة هذه المرة لمجمل الهيكل . ينذر كل هذا بنتيجة حتمية محسومة بلا أي حسابات مسبقة وبلا تدقيق استباقي وهي ان لبنان مقبل بقوة مضاعفة على موجات متطورة ومحدثة وبالغة التضخم من الانهيارات لا اكثر ولا اقل . يقف لبنان بارث الازمات التي يرزح تحتها على أرضية لم تعد تحتمل والاتي في السنة المقبلة في وقائع الازمات اكثر من مرعب . مع ذلك يراد الهاء اللبنانيين بجولات العصبيات البائدة كأنها مبارزات المدافع . وقف نار فقط !

 

نبيل بومنصف – النهار