جريمة قتْل الجندي الإيرلندي ومحلّها في الإعراب

لم يكن ينقص لبنان إلّا مقتل جندي إيرلندي عامل في قوات حفظ السلام الموجودة في الجنوب اللبناني بموجب القرار 1701.

بداية، ما حصل هو جريمة متعمّدة وليس حادثاً مؤسفاً، هذا محلّها في الإعراب، إلّا أن بعض القراءات والاجتهادات المتعددة الأهداف التي تلت، كفيلة بمنح «حزب الله» براءة ذمّة منها وذريعة لتبرئة نفسه.

فالحديث عن أنّ الجريمة هي رسالة إلى الداخل والخارج تندرج في باب المبالغة، ولا لزوم لها لإفهام من يجب إفهامه أنّ الجنوب خصوصاً، ولبنان عموماً، في قبضة «الحزب» الحاكم بأمر مشغّله الإيراني.

أمّا تصوير الاعتداء المتعمّد وكأنّه وليد مؤامرة مدروسة، فهو لا يستقيم، وتحديداً إذا سلّمنا جدلاً أنّ سائق الآلية انحرف عن مسار السير المسموح به، ولم يستدرجه أحد. ما يعني أنّ الحديث عن رسالة إلى الداخل والخارج تصبّ في منحى الشغور الرئاسي، في فرض الرئيس الملتزم بمحور الممانعة، هو حديث في غير محله، لأنّ لا مقام له في هذه الحالة.

وإستبعاد الأمر لا علاقة له بترفّع «حزب الله» عنه. فالسوابق في جرائم الاغتيال و»قوارير الغاز» المنفجرة، وجريمة تفجير مرفأ بيروت و»تفاهم مار مخايل» و»اليوم المجيد في 7 أيار 2008» وغيرها تشكّل تاريخ إدانة لا مجال لنكرانه.

ولكن في جريمة قتل الجندي الإيرلندي ما يعيدنا إلى سابقة أضيفت إلى السجل الذهبي للحزب في 28/8/ 2008. حينها أقدم مجهول على إطلاق النار من «سلاح حربي غير مرخص» على طوافة عسكرية تابعة للجيش اللبناني كانت تحلّق في أجواء تلة سجد في الجنوب، و»التسبب عن غير قصد» بقتل الملازم الأول الطيار سامر حنا، كما ورد في القرار الاتهامي الصادر عن المحكمة العسكرية في حينه.

وفي حينه، سلَّم «الحزب» متهماً هو مصطفى حسن مقدم، تم إخلاء سبيله بعد عشرة أشهر وطوي الملف، وتبيّن أنّ لا علاقة لمصطفى من قريب أو بعيد بالجريمة، وأنّه سلّم نفسه تنفيذاً للأوامر التي أعطيت له، لا أكثر ولا أقل.

أمّا لماذا قتل حنا، وماذا يوجد في تلة سجد ويستوجب قتل من يقترب منها، حتى لو كان جندياً من الجيش اللبناني، فهنا بيت القصيد.

وهنا السؤال المتعلق بانحراف آلية الجنود الإيرلنديين عن المسار المحدد. وهنا أيضا مهزلة الادعاء أنّ أهالي المنطقة، المدنيين اضطربوا وخافوا من الوحوش المعتادين على «احتساء الكحول في حانات شارع مونو»، عندما هجموا عليهم بأسلحتهم الخارقة، على طريقة أفلام «science fiction»، واقتحموا أمانهم، لذا، وببساطة وبرد فعل عفوي، دافعوا عن أنفسهم وعن «حريمهم وعن عيالهم» المذعورين.

هذه الرواية تصح في قاموس «الحزب» التبريري. حادث عابر و»يا دار ما دخلك شرّ»!! ليس مهمّاً إذا ما كانت الدار مقراً عسكرياً، لا يفترض أن يقترب منه أحد، تماماً كما هي تلة سجد.

وليس مهماً اعتبار جنود اليونيفيل «قوات احتلال» بعد التعديلات الأخيرة على مهمتها في الأمم المتحدة. كذلك ليس مهماً تصوير هؤلاء الجنود جواسيس وعملاء لإسرائيل وخبراء بالزواريب.

المهم أّن «بعض المتسرّعين» اتهموا «المقاومة» بما لا يتناسب وحجم «الحادث العابر» الذي يجب لفلفته، كما تمّت لفلفة الجرائم والاغتيالات والمؤامرات في لبنان وخارجه.

الأمر لا يستحق، فالكتلة النيابية لـ»الحزب» تجاهلته تماماً في بيانها الأخير، وكأنّه لم يكن.

وعلى الجميع التعامل مع الموضوع على هذا الأساس، وتحديداً وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي الذي تجاوز حدوده، على عكس ما فعل غيره من المسؤولين الآسفين والمطالبين بتحقيق شفاف على الطريقة اللبنانية.

 

سناء الجاك – نداء الوطن