بيئة “الحزب” معبّأة لتهشيل “اليونيفيل”

الاختبار قائم أمام السلطة لتُثبت أنها قادرة على ما هو أكثر من تقديم التعازي لقيادة قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الجنوب (اليونيفيل) بعد مقتل الجندي الايرلندي شون روني. واستناداً الى السوابق فإن السلطة ستبحث عن أي مخرج، أو عن “كبش فداء” بمساعدة “حزب إيران/ حزب الله”، لعبور هذا الاختبار. صحيح أن الطرف المعتدى عليه دوليٌ، ومن دون أي سبب، ولا يمكنه أن يقفل الملف بلفلفة يرتّبها الطرف المعتدي، لكن الصحيح أيضاً أن “اليونيفيل” سبق لها أن تعرّضت لاعتداءات وقبلت بأن يبقى الفاعل “مجهولاً” على رغم أن المسؤول عنها معروفٌ جداً.

لم يصدّق أحد أن “الأهالي” هم مَن اعترضوا “بعفوية” قافلة “اليونيفيل” واعتدوا عليها، فلا بدّ أن هناك مَن أمر بإطلاق النار “من جهات عدّة”، علماً أن الجنود الدوليين لم يبادروا “الأهالي” بأي عمل عدائي يبرّر الردّ والقتل. وقعت القافلة في مكمنٍ يُظهر أنها كانت مرصودة منذ لحظة تحرّكها، وواكبتها فرقٌ مسلّحة الى أن انحرفت احدى السيارات عن الأوتوستراد الساحلي فجرى الاستفراد بها وكان في الإمكان وقفها ومنعها من اكمال طريقها أو الزامها بالعودة الى المسار المعتاد، لكن مَن كلّفها أصلاً بـ”حادث غير مقصود”، ومَن وجد مصلحة في تلك اللحظة أو قبلها في ارتكاب القتل لتأديب “اليونيفيل؟ أسئلة وغيرها الكثير برسم التحقيق، ولا إجابات عنها إلّا عند “حزب إيران”.

أكثر من حادثة 2007 ومقتل خمسة جنود اسبان عندما كان القرار 1701 حديث العهد، وأكثر من مئات المواجهات مع “الأهالي” في عشرات القرى، يبدو توقيت قتل الجندي الايرلندي متعمّداً لتحدّي المجتمع الدولي وكسر القرار الذي اتّخذه مجلس الأمن (نهاية آب/ أغسطس الماضي) بمنح قوات “اليونيفيل” حرية القيام بعملياتها “من دون إذن”. فمن جهة شكّل الحادث احتكاكاً دموياً بالقوات الدولية لتذكير الجهات الدولية المعنية بأن إيران و”حزبها” و”حلفاءها” هم أصحاب القرار ال#لبناني في مختلف القضايا، ومنها انتخاب رئيس جديد. ومن جهة أخرى يمكن أن يُوظّف الحادث، “المقصود” طبعاً، لإرسال إشارة أولى الى الولايات المتحدة وإسرائيل وغيرهما بأن وجود “اليونيفيل” لم يعد ضرورياً بعدما سهّلت إيران و”حزبها” ترسيم الحدود البحرية، وأن “الحزب” سيكون ضامن استقرار الوضع بحراً وبرّاً.

القوات الدولية تعمل في “بيئة عدائية وصعبة”، وفقاً لرئيس الوزراء الايرلندي. وواقعة قتل الجندي الايرلندي نتيجة “تعبئة” تلك البيئة ضد “اليونيفيل” وفقاً لقيادتها، ومن الواضح أن هذه التعبئة ليست فقط بالكلام، بل خصوصاً بالسلاح. وتتجاهل إيران و”حزبها” أن آلاف العائلات الجنوبية تستفيد من خدمات شتّى تقدّمها “اليونيفيل” أو تعيش من العمل معها، وهي خدمات وفرص لا توفّرها الدولة ولا “الحزب”. ولو أن الأخير دقّق جيّداً في ميول “بيئته” فإنه سيجد أنها تعتبره “قوة أمر واقع” ولا تحبّذ رحيل القوات الدولية، حتى لو لم تقم بعد بالمهمة الموكولة إليها بتمكين الدولة وجيشها من بسط سيطرتهما على كامل الأراضي اللبنانية.

أيّ لفلفة لقضية مقتل الجندي الايرلندي، بمحاولة نسبها الى “عصابات” أو الى “لاجئين سوريين”، هي تكريس جديد لإفلات “حزب إيران” من المساءلة والمحاسبة. وهو سيكسب حينها إمّا “الحقّ” في اعتراض قوافل “اليونيفيل”، وبالتالي فرض قيود على تحركاتها داخل منطقة العمليات وخارجها واخضاعها للتنسيق المسبق مع الجيش، وتالياً مع “الحزب” نفسه.

 

عبدالوهاب بدرخان – النهار