انعقاد الحكومة: المسيحيون هم الخاسرون دائماً

تحت شعار “الضرورات تبيح المحظورات”، نجح رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في عقد جلسة لمجلس الوزراء بنصاب أتمّه وزير الصناعة جورج بوشكيان بقرار من حزب “الطاشناق” الذي يمثله في الحكومة.

يضيف ميقاتي الى رصيده فوزا جديدا في وجه رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الذي أراد من خلال رفضه انعقاد الجلسة لعدم دستوريتها في ظل الشغور الرئاسي، أن يكون رأس حربة في تحصيل حقوق المسيحيين، سائراً على خطى عمه الجنرال ميشال عون في الاستراتيجية عينها، التي أدت في ما أدت اليه، وبقطع النظر عن العوامل المؤثرة الاخرى، الى إيصاله الى قصر بعبدا.

وسجل باسيل من جهته نقطة سلبية في رصيده اذ ظهٓر علناً التباعد بينه وبين حليفه “حزب الله” الذي قرر المشاركة في الجلسة، بحيث أٓريد لهذه الجلسة ان تُظهر العزلة التي تحيط بالرجل وتجعله بعيداً عن أي حسابات جدية او فرص حقيقية تؤدي به الى بعبدا.

هكذا تبين القراءة الأولية لنتائج الجلسة الحكومية، ولكن الواقع ليس هكذا وحسابات الربح والخسارة لا تُقرأ من هذه الزاوية.

فباسيل لم يخرج عملياً خاسراً من موقفه من الجلسة، بل جرٓ كل المكونات المسيحية الى الخروج من رماديتها، وإعلان موقف مماثل، قد يكون في إطار المزايدة، او يكون معبٓراً عن حقيقة ما تفكر، لكنه في النتيجة دفع هذه القوى الى السير وراءه وليس أمامه او الى جانبه.
هذا الامر ساعد باسيل كثيراً في عملية التموضع الجديدة التي يعتمدها ازاء الغرب لجهة الاقتراب من المعسكر الأميركي على حساب الابتعاد عن المعسكر الإيراني الذي وضع نفسه فيه منذ توقيع عمه وحزبه وثيقة “تفاهم مار مخايل”.

والامر عينه لم يساعد حتماً رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي اعتقد انه بوقوفه على الحياد في مسألة خلافية تعني “حزب الله” وحليفه المسيحي، يمكن ان يجني مكسباً من عزلة باسيل، الا ان الواقع مختلف، وموقف المتفرج لا يَصب في المصلحة “القواتية” مسيحياً.

الواقع ان تداعيات انعقاد مجلس الوزراء لا تقف عند الحسابات الضيقة المذكورة أعلاه، بل تتعداها بأشواط كبيرة وخطيرة كونها تمس في العمق مبدأ الشراكة في الحكم والميثاقية التي قال عنها مرة رئيس المجلس نبيه بري انها السبب في تمسكه بانتخاب رئيس بغالبية الثلثين، منعاً لتهميش أي مكوّن عن عملية اختيار رئيس البلاد.

فالثنائية السنية – الشيعية الجديدة المنبثقة من تفاهم بري ومن ورائه “حزب الله” مع ميقاتي تجاوزت رأي الشركاء المسيحيين بمن يمثلهم، ان على مستوى “التيار الوطني الحر” أو “القوات اللبنانية” او الكتائب او حتى رأس الكنيسة ممثلة بسيد بكركي، وضربت عرض الحائط موقفهم من انعقاد الجلسة، مهمشة بذلك النصف الآخر من الشراكة في الوطن، بذريعة التزام الدستور لمقتضيات تأمين مصالح المواطنين وتسيير الشؤون الملحّة والعاجلة لهم، في حين ان الشأن الأكثر الحاحاً وعجلة والتزاماً بمقتضى الدستور يكمن في الاستغناء عن ورقة الانتخاب البيضاء والمشاركة فوراً في انتخاب رئيس. ولا يمكن التذرع بالتوافق ما دامت المعارضة سمّت مرشحها، فإما تبنّيه وإما الذهاب الى مرشح منافس يضمن الممارسة الديموقراطية السليمة لعملية الانتخاب.

في الجلسة الحكومية أمس، خلاصات مهمة ستؤسس لعناوين المرحلة المقبلة، أولى ملامحها ستتبلور في الطعون المقدمة لدى المجلس الدستوري، حيث لا تستبعد المعلومات المتوافرة ان تكون مشاركة وزير الطاشناق في تأمين نصاب الجلسة مقابل إشاحة النظر عن الطعن في نتائج انتخابات المتن الشمالي التي إن أعطت الفوز للمرشح الخاسر جاد غصن ستؤدي حكماً الى إطاحة نيابة اغوب بقرادونيان.

في الموازاة، ستؤسس الجلسة الحكومية لفتح باب المجلس امام التشريع، ودائماً تحت شعار تشريع الضرورة، بحيث ستنتظم الحياة التنفيذية والتشريعية على قاعدة الاستثناء والضرورة، فيما سيبقى الاستحقاق الرئاسي عالقاً في عنق البحث عن مرشح التسوية، بقطع النظر عن التداعيات الكارثية لاستمرار الشغور الذي سيستعاض عنه بجلسات حكومية ونيابية استثنائية حتى يقضيَ الله أمراً كان مفعولاً.

اما على المدى الأبعد، فالاكيد ان الطريق باتت اكثر سلوكاً نحو العقد السياسي الجديد الذي سيدفع المسيحيون، وكالعادة، ثمن انقساماتهم وتشتتهم.

 

سابين عويس – النهار