وزير خارجيّة سوريا.. اللبنانيّ

لو قيّض للرئيس السابق ميشال عون، أو “نائبه” جبران باسيل، ربّما عبر ميليشيا الحرس القديم، أن يمنع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من حضور قمّة الجزائر لفعل. ولو قيّض لمندوب “الهستيريا” العونيّة الباسيليّة، في الجزائر، وزير الخارجية عبدالله بو حبيب أن يغيِّب لبنان بالكامل عن مداولات قمّة الجزائر لفعل أيضاً، ولَما تضمّن البيان الختامي حرفاً عن لبنان.

لا أقول هذا الكلام مقتنعاً بجدوى وفاعليّة الجامعة وعملها، ولا بأيّ شيء استثنائي يمكن أن تخلص إليه، ولا سيّما وهي منعقدة في الجزائر، البلد الذي لا يبدو أنّه تعلّم شيئاً من دروس الماضي الذي مضى!

كان يمكن لقمّة الجزائر أن تشكّل انطلاقة للدور السياسي العربي الواسع لهذا البلد المهمّ، بجغرافيّته وإمكاناته الكامنة، فقط لو سمح المسؤولون فيه بولادة مشهديّة مصالحة حقيقية بين الجزائر والمغرب، يتوّجها حضور العاهل المغربي محمد السادس. بيد أنّ الأوهام الجزائرية حول “استتباع” الصحراء المغربية، ومعاندة نجاح الرباط في انتزاع اعتراف عربي ودولي بسيادة المغرب على الصحراء وبمخرج الاستفتاء على الحكم الذاتي للصحراء ضمن مفهوم الوحدة الترابية للمغرب، حرما المغرب العربي بكلّ دوله من تطوّر سياسي معبّأ بالانعكاسات السياسية والأمنيّة والاقتصادية الإيجابية.
انتهى الشغب الجزائري بعدم حضور العاهل المغربي، وبقمّة أقلّ من عاديّة، هربت إلى العنوان الفلسطيني بسبب عدم قدرتها على مواجهة حقائق التحدّيات التي تواجه الدول العربية، أو أن تسمّي الأشياء بأسمائها ولو بالحدود الدنيا.

آسف لهذا الاستطراد الذي لا بدّ منه للقول إنّ إصرار بعض القوى السياسية اللبنانية على محاولة تغييب لبنان عن مداولات قمّة، باتت شبه بروتوكولية، ويكشف حجم الأحقاد التي تميّز العمل السياسي اللبناني. فمن جهة يُراد عبر تغييب لبنان أن يُطعن بشرعية حكومة تصريف الأعمال، بسبب أوهام دستورية وقانونية عند العصابة العونيّة، ومن جهة يُراد تجنّب أيّ كلام عربي، ومن منبر عربي، يضع الأزمة اللبنانية في نصابها الصحيح.

مؤسف، وبحسب ما سمعته من مصدر رسمي عربي، أنّ وزير الخارجية عبدالله بو حبيب، كان ينشط في كلّ الاجتماعات التي عقدها للحديث عن سوريا لا عن لبنان، وكان يستميت في تقديم الحجج التي تثبت الأهميّة العربية الاستراتيجية لعودة سوريا إلى الجامعة وإلى اجتماعاتها بأفضل ممّا يمكن لأيّ مسؤول سوري أن يفعل. لوهلة ظنّ المصدر أنّه يستمع إلى مسؤول في الخارجية السورية لا إلى وزير خارجية لبنان، الذي لم يبدِ، في المقابل، أيّ اهتمام يُذكَر بطرح تصوّر معقول لِما يمكن للعرب تقديمه إلى لبنان، في مواجهة أزماته المتراكمة. سافر الوزير بمهمّتين: تتفيه بلاده قدر المستطاع، والمنافحة عن سوريا!

ليس خافياً بالطبع أنّ هذا الأداء المُخزي لبو حبيب، ينطوي على تقديم المزيد من أوراق الاعتماد إلى بشار الأسد نيابة عن جبران باسيل الذي يستعدّ لزيارة دمشق في سياق حسابات المعركة الرئاسية التي يخوضها.

هي إذاً جزء من حفلة المزايدة في الولاء والفاعليّة على كلّ المرشّحين الآخرين المحسوبين على سوريا وحزب الله معاً، كسليمان فرنجية، للقول إنّ ما يمكن أخذه من باسيل، وبسند الشرعية المسيحية والنيابية التي يتمتّع بها الآن، لا يؤخذ من سواه.

أمّا في بيروت، وفيما كان دماغ وزير خارجية لبنان يضجّ بالأولويّات السورية (وربّما بأحلام رئاسته هو!!)، وحفلة المزايدة على الخصوم، كان الباسيليّون يفتتحون حفلة جنون في الشارع، يُراد منها استدراج الجيش اللبناني إلى تلطيخ يديه بدماء مسيحية، علّها تقطع الطريق على وصول قائد الجيش إلى بعبدا، أو استدراج خصوم باسيل المسيحيين إلى شيء مماثل يعيد عبره إحياء صورتهم القديمة “كميليشيات وزعران وبلطجيّة”!
ما حصل داخل وخارج استديوهات قناة “MTV” مؤشّر إلى ما ينتظر اللبنانيين عامةً، والمسيحيين خاصةً، من محاولات للعب ورقة الأمن لصالح ترئيس جبران باسيل، والتهويل على خصومه وما أكثرهم.

من قاعات قمّة الجزائر إلى مداخل قناة “MTV”، وبينهما الكثير، كلّ ما يحصل يصبّ في تغذية الجنون الباسيليّ العونيّ، لاستئناف رحلة اللبنانيين إلى جهنّم.

 

 

نديم قطيش – أساس ميديا