هل من شراكة ممكنة بين واشنطن والرياض في لبنان؟

بصرف النظر عن نتائج الانتخابات النصفية الأميركية التي حصلت يوم الثلثاء، فقد تأكد انها تمخضت عن شيء من التوازن بين الحزبين الأساسيين الجمهوري والديموقراطي. من هنا يُستبعد ان يتغير الكثير على مستوى السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة، واستطرادا في ما يتعلق بلبنان. وفي كل الأحوال، من المعلوم ان السياسة الخارجية الأميركية هي من اختصاص الرئيس وطواقمه في البيت الأبيض، وسائر الإدارة الأميركية عموما. ويلعب مجلسا الكونغرس الأميركي، أي مجلسا الشيوخ والنواب، دورا تشريعيا ورقابيا في السياسة الخارجية، لكنهما لا يدخلان في التفاصيل التي تبقى من اختصاص السلطة التنفيذية التي يرأسها الرئيس نفسه، وصلاحياته واسعة في هذا المجال. .

وعليه لا تغيير في المقاربة الأميركية للملف اللبناني شأنه شأن مقاربة الملف الإقليمي عموما. فالموقف من النظام في سوريا لن يتغير، والموقف مما يحصل في العراق على حاله مع عودة الإيرانيين الى السيطرة على السلطة هناك بعد انتكاسة مقتدى الصدر. أما الموقف من التطور السياسي الكبير في إسرائيل، أي عودة بنيامين نتنياهو، فقد يشهد تجاذبات بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو العتيدة. ماذا عن مقاربة العلاقة مع المملكة العربية السعودية؟ تقديرنا ان لا تغيير جدياً في العلاقات التي تشوبها حالة من التوتر الدائم بين البيت الأبيض والقيادة السعودية. لكن المتغير الذي قد يحصل في المدى المنظور يتصل بالوضع في ايران الذي يتحرك بسرعة كون الأرض مشتعلة في عشرات المدن والبلدات، وثمة شيء كبير يحصل هناك، ومن الصعب على الإدارة الأميركية ألا تعدّل مسارها التواطؤي التقليدي مع النظام في ايران في ظل اشتعال ما بدأ يشبه الثورة، والعنف الكبير الذي يواجه به النظام المواطنين العزل.

البارحة كان لافتا قيام طائرة مسيّرة لم يتم التأكد من هويتها (إسرائيلية أم أميركية) باستهداف قافلة وقود إيرانية عند نقطة البوكمال الحدودية بين العراق وسوريا تقودها عناصر من الحشد الشعبي متجهة الى لبنان. جرى تدمير عدد من الصهاريج، وسقط عدد من القتلى، ولم تكمل بقية القافلة طريقها. البعض ترجم الضربة على انها إشارة الى ان مواجهة ايران في سوريا مستمرة. وهي لا تقتصر على الوجود الإيراني أو التابع له (حزب الله) في المناطق الجنوبية، بل ان خطوط الإمداد التي تحمل سلاحا متطورا، او وقودا، خاضعة لرقابة، ومعرضة لضربة قد تكون إسرائيلية، أو أميركية، أو نتاج تنسيق بين الطرفين للحد من التمدد الإيراني، ومكافحة برنامج تطوير قدرات “حزب الله” العسكرية.

ماذا عن الملف السياسي الداخلي في لبنان؟ لا تغيير اميركيا في المدى المنظور. الاميركيون يؤثرون الجلوس في المقعد الخلفي تاركين للفرنسيين قيادة العربة من المقعد الامامي. لكن لن يكون الاميركيون بعيدين عندما تحين ساعة اختيار رئيس الجمهورية المقبل. سيبقى دور واشنطن، ولا سيما البيت الأبيض، محوريا بصرف النظر عن نتائج الانتخابات النصفية. ولا نستبعد ان يتجه الرئيس الأميركي جو بايدن بعدما تخلص من عبء الانتخابات مرحليا الى شيء من التشدد مع المشروع الإيراني من العراق الى سوريا وصولا الى لبنان. فرئيس لبناني جديد يكون مطيّة لـ”حزب الله” سيكون في مطلق الأحوال نبأ سيئا للادارة الأميركية. ومنع وصول المطيّة التابعة لمحور يقوده “حزب الله” والنظام في سوريا قد يشكل تقاطعا بين واشنطن والرياض العائدة الى تفعيل دورها في لبنان في هذه المرحلة من الشغور الرئاسي. فهل يستفيد بايدن من أخطاء المرحلة السابقة ويبني شراكة جدية مع السعودية لسحبه من بين انياب الوحش الإقليمي؟

 

علي حمادة – النهار