نيابة عن جميع العقلاء

عندما تدعو السفارة السعودية في بيروت إلى منتدى تحت عنوان اتفاق «الطائف»، فالدعوة تكون باسم جميع العقلاء ولو من دون التشاور معهم، ونيابة عنهم، الذين يحرصون على أن يبقى من لبنان صورة واحدة تناقض ما أراد له «تحالف الأقليات» بزعامة «حزب الله»، أن يكون.

الدعوة بالنيابة عن جميع العقلاء لتحصين «اتفاق الطائف»، لا تقتصر على التذكير باتفاق تاريخي أريد له أن يكون نهاية لحرب مجنونة، وبداية لعلاقة متوازنة بين جميع المجموعات اللبنانية، بل تمتد إلى التأريخ لتلك الحقبة التي شهدت الكثير من الجنوح والجموح، وقد كان للجنة السداسية برئاسية الشيخ صباح الأحمد الصباح، واللقاءات التي عقدها في تونس بين حكومتي الحص وعون، الدور الأبرز في التحضير لعمل اللجنة الثلاثية، برعاية السعودية والمغرب والجزائر، التي مهّدت بعد «حرب التحرير» لاتفاق «الطائف».

كان السعوديون في المقدمة عندما دعت الحاجة لإنقاذ لبنان وما زالوا. فالاتفاق الذي حضنته المدينة الصيفية، كان نتيجة اتصالات ولقاءات ومشاورات معمّقة، شاركت فيها شخصيات لبنانية منها على سبيل المثال لا الحصر سمير فرنجية، الذي كان يلعب دور سفير السلام، بالتنسيق مع الرئيس رفيق الحريري، الذي كان في صلب الاتصالات بين السعودية وسوريا والبطريركية المارونية، التي تجرأت على اتخاذ القرار بالموافقة على الاتفاق، وتقديم الغطاء الكامل له.

بعد 32 سنة على توقيع الاتفاق والمطبات والأفخاخ التي نُصبت له، لا يزال الطائف الصيغة الوحيدة التي يمكن وصفها بالضمانة، في العلاقة بين المجموعات اللبنانية المتنافرة. فهذا الاتفاق الذي أنهى الحرب والذي طبق على نحو مختلف للجوهر الذي أريد أن يكون عليه، نظم علاقة المجموعات اللبنانية بطريقة لا يمكن بعدها الّا الذهاب إلى الفوضى أو التقسيم في حال تم تخريب الاتفاق.

منذ مؤتمر سان كلو، والسابع من أيار الذي أدّى إلى «اتفاق الدوحة» الذي جوّف اتفاق «الطائف»، لم تتوقف المحاولات التي تبذل من قبل «حزب الله» تسللاً، وتخفياً خلف «التيار الوطني الحر»، لتعطيل اتفاق «الطائف» تمهيداً لفرض أمر واقع يقود إلى نسفه.

وفي المقابل كانت المحاولات لصدّ هذه الخطط المشبوهة، تأخذ منحى جدياً، وقد تحمّلت المملكة العربية السعودية مسؤولية مواجهة محاولة نسف الاتفاق الذي جهدت في العام 1990 كي يُوقّع ويُنفّذ، وأعطته اسم أهم مدن المملكة، ورعت تنفيذه، لكنّ الاتفاق أدخل في حقل ألغام النظام السوري الذي نفذه بالأجندة السورية، بعدما اغتيل «رئيس الطائف» رينيه معوض، في عيد الاستقلال اثر رفضه تنفيذ عملية عسكرية ضد العماد ميشال عون.

بعد 32 سنة على توقيع الاتفاق تهبّ السعودية للدفاع عن «وثيقة الوفاق الوطني» التي إن سقطت، سقط سبب من أسباب وجود لبنان الموحد، وفُتح باب إلى جحيم قد يشبه جحيم تقسيم يوغوسلافيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.

بهذا المنتدى الذي جهد السفير السعودي وليد البخاري لإعداده، مذكّراً، بما سبق أن قام به الأمير سعود الفيصل في العام 1989، تقطع السعودية الطريق أمام محاولات خبيثة لإسقاط «الطائف»، الذي سيؤدي حكماً إلى المجهول المعلوم.

 

أسعد بشارة – نداء الوطن