لماذا على “الحزب” أن يسحب مرشّحَيه؟

قد يبدو كلامنا غريباً بعض الشيء، لكن قد يكون الأكثر واقعية في ظل الظروف الراهنة. فلقد تمكنت بندقية “حزب الله
” من خلال تنصيب الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية من وضع يدها على موقع رئاسة الجمهورية مستكملة مسيرة وضع اليد على كامل مؤسسات الدولة اللبنانية، ومن بينها الرئاسات الثلاث، حيث إن رئاسة الحكومة حوصرت الى حدّ تعطيل فعاليتها بمواجهة مشروع الحزب المذكور. أدى تمكين ذراع إيران في لبنان الى هذا الحد الى وضع شخصية في غير مكانها (رئاسة الجمهورية) فالزعامة الشعبية التي كان يتمتع بها عون ما كانت كافية لتبرّر أن يكون رئيساً لجميع اللبنانيين لكونه جاء بحزبه، وبعائلته وبطانته، والطامّة الكبرى بـ”حزب الله”، الى قصر بعبدا. فانعدام الجدية والغرضية الضيقة وانقطاع لغة التواصل مع جميع شرائح المجتمع اللبناني بدءاً بالمسيحيين غير المتحزبين لعون، وأخيراً وليس آخراً ارتهان الرئاسة الأولى لما يُسمّى محور “الممانعة” جعلت من تجربة الرئيس الذي أوصلته بندقية ما يسمّى “المقاومة” كابوساً حقيقياً للبنانيين، وقد وجهوا الرسالة الأقسى في تاريخ الرئاسات المرتهنة لقوة نقيضة للكيان اللبناني والصيغة (أكثر من رئاسة إميل لحود) عندما خرجوا بمئات الآلاف الى الشوارع قبل ثلاثة أعوام ليعلنوا موقفهم من الرئيس السابق ميشال عون وبطانته. والبقية معروفة. لقد أثبت مآل العهد السابق أن منطق القوة يمكّن أصحابه في مكان، ويقلص بيئتهم المؤيدة في مكان آخر. معنى ذلك أن “حزب الله” وإن كسب سيطرة على المؤسسات والقرار الوطني والسيادي، لم ينل قبولاً خارج بيئته الحاضنة، اللهم في ما عدا بيئة “التيار الوطني الحر” الذي عوقب في الانتخابات النيابية الاخيرة في شهر أيار الماضي. فالتجربة كانت كارثية الى أبعد الحدود، حتى إن اللبنانيين عموماً أداروا ظهورهم بالكامل للجنرال عون ولكل ما يمثله. هذا العامل، إضافة الى ثقافة التحريض في كل اتجاه التي كثيراً ما لامست العنصرية البدائية، كانا الأساس الذي أفقد مرشح الجنرال عون لخلافته حظوظه بالوصول الى سدة الرئاسة. هذا الواقع السلبي لم تعد تكفي بندقية “حزب الله” للتعويض عنه. ما كان مقبولاً مع عون لم يعد مقبولاً مع وريثه السياسي. هذا الأمر يعرفه الحزب المشار إليه آنفاً. لكن المسألة لا تقتصر على معسكر عون فحسب، بل إن المرشح الآخر سليمان فرنجية الذي أدار حملة علاقات عامة سياسية وشعبية على مدى الأعوام الماضية مستغلاً أخطاء عون وبطانته الفاضحة قد لا يستفيد كما يأمل من المفاضلة بينه وبين الوريث العوني، التي حتماً تصبّ لمصلحته. مشكلة فرنجية الأولى أنه مرشح “حزب الله”، والأخير يتحمل مسؤولية كبرى في ما آلت إليه أوضاع البلاد. مشكلته الثانية أنه جزء من محور يتأثر به ولا يؤثر فيه، إضافة الى عناصر أخرى لا تصبّ في صالحه في هذه المرحلة. الأهم هنا أن مرشح “حزب الله” الثاني هو مرشح قوة ميليشيوية مسيطرة على البلد بأسلوب احتلالي قاهر يستند الى المسدّس الموضوع على الطاولة بوجه اللبنانيين. ومهما فعل فرنجية على مستوى حملة العلاقات العامة، أو خاضت القوى السياسية المتواطئة مع “حزب الله” معركته بإتقان فإن لبنان في حاجة إلى رئيس من طينة مختلفة يكون متحرراً من الميليشيا من دون أن يتورط في حرب أهلية معها. حان الوقت ليكون للبنان رئيس لا تمسك بخيوطه ذراع إيران في لبنان. وحان الوقت لكي تسحب الذراع نفسها مرشّحَيْها من السباق!

 

علي حمادة – النهار