سجالات لأجل الفتات…

تمثل السجالات الأخيرة التي اشتعلت بين مرشحين لمنصب الرئاسة اللبنانية انعكاسا لانحطاط كبير في مستوى العمل السياسي في لبنان في الوقت الذي يحتاج فيه بلدنا الى ان يكون القادة الذين يتربعون على عروشهم المحلية اكثر إدراكا ان التنافس المحموم للفوز بمنصب الرئاسة ان لم يقترن بتغيير جدي في موازين القوى المهيمنة لن تكون له اكثر من أهمية محدودة بالمعنى الاوسع . فموقع رئاسة الجمهورية الذي يقاتل البعض للوصول اليه تحت شعار استعادة حقوق المسيحيين السليبة ، او الذي يعيش البعض الأخر عمرا مسكونا بحلم الوصول اليه لا يزن كثيرا في مضمون القرار الفعلي فيه .

فبوجود سلاح غير شرعي يتمسك به فريق معروف و مرجعيته الخارجية معروفة ، و هو مستعد لتوسل العنف الى اقصى الحدود ، أي القتل و الإرهاب ، كعامل يحتكم اليه في مسيرة السيطرة على الكيان اللبناني كيف يمكن لاي من هؤلاء الذين يتسابقون على رئاسة الجمهورية ان يكون له دور واقعي يتعدى اطار التغطية و منح الشرعية لحالة شاذة اضرت و ستضر بالبلاد مستقبلا ان لم يوضع لها حد ؟ كيف يتصور هؤلاء المتساجلون دور الرئاسة التي يستقتل من اجلها الكبير الصغير في طائفة بأمها و ابيها فيما أضحت من الناحية العملية “كومبارس” يدور حول حول صاحب السلطة الحقيقية في البلد. من المؤسف ان يصدق المرشحون الهائجون ضد بعضهم ان “الجائزة” تستحق في هذه الظروف بالذات كل هذا “الهيجان” ، وكل هذه المشاحنات السوقية بمعظمها فيما هم في النهاية شأنهم شأن معظم الطاقم الحاكم مجرد أدوات في لعبة لا يملكون فيها حرية القرار خارج ما يرتبط بفتات المائدة على مستوى تناتش الحصص من هنا و هناك .

انطلاقا مما تقدم نود التوقف قليلا عند موضوع الاستحقاق الرئاسي بمعناه الواسع . في المدى المنظور نحن لا نلمس توجها ممن يمسكون بمفاتيح التعطيل في للإسراع بتحريك الاستحقاق في الاتجاه الذي يفرج عنه ما لم يحققوا ما يصبون اليه أي إيصال مرشحهم الى سدة الرئاسة. هذا الطرف لا ينظر الى المنصب على انه اكثر من وسيلة لاحكام السيطرة على لبنان . اذا لا عجلة في الخروج من حالة الشغور الرئاسي ما دامت القوى المعنية الأخرى محليا راضية بالواقع ، وتتعامل معه على أساس انه قدر لا يُرد. هذه القوى المتواطئة مع الحالة الشاذة او المستسلمة لها غير مهتمة في العمق بحال المواطن او البلد ككل . هذا طاقم غير معني سوى بتأمين بقائه كيفما اتفق الامر . هذا ما يفسر ان الاستحقاق الرئاسي و الحماسة المفرطة للبعض بشأنه لا يعكسان الحقيقة على الأرض الواقع .

من هنا خشيتنا ان يطول امد الشغور الرئاسي متزامنا مع جود حكومة تصريف اعمال غير مكتملة الاوصاف والصلاحيات ، فيتفاقم الوضع المؤسساتي مع ارتفاع نسبة الشغور في المواقع الإدارية المدنية و العسكرية الى حد حد بعيد . خشيتنا ان يطول بقاء الكثيرين ممن يتوهمون انفسهم حاجة لا يستغنى عنها وهم يستطيبون واقع ان يتلاعب بهم من يمسك بحبالهم مستغلا قلة الادراك ، وفرط الشهية لديهم .
كم من المؤسف ان يكون اللبنانيون متروكون لحالهم و كأنهم في برية . والمؤسف اكثر ان نجد بينهم من يصدق فعلا ان في لبنان سلطة ، و قادة ، وسياسة فيما الامر لا يعدو كونه اكثر من تهافت على فتات يرميها المتحكم بالجميع !

 

علي حمادة – النهار