رياضيون أكثر شجاعة من قادة

أثبت لاعبو المنتخب الإيراني لكرة القدم أنهم بالرغم من كل ما يتعرّضون له من ضغوط متنوعة في بلادهم، بتمنعهم أمس عن أداء نشيد الجمهورية الإسلامية في إيران قبل مباراة المنتخب ضد المنتخب البريطاني، إنما يغامرون بحياتهم وأمنهم الشخصي والعائلي، فيما صوت لبنان الرسمي تمثله في المحافل الدولية حكومة تصريف أعمال ويرأسها مطلق شعار “النأي بالنفس” الذي رفعه ذات يوم في خضم الحرب في سوريا ضد مشروع قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة يدين القمع الذي تمارسه السلطات الإيرانية بحق المحتجين المدنيين العزل في العديد من المدن الإيرانية.

في الأمم المتحدة انقسمت الدول بين معارض تماماً مثل لبنان وعدد من الدول التي أقل ما يقال فيها أنها مارقة أو عدوانية مثل سوريا، كوريا الشمالية أو روسيا الاتحادية، ودول ممتنعة فضّلت تحاشي الموضوع والبقاء بعيداً عنه نظراً لتحسّس حكومات عدة إزاء القرارات الدولية التي تتناول أحداثاً داخلية تحوطاً لما يمكن أن يصيبها مستقبلاً إذا ما شهدت أحداثاً مماثلة لها، ودول أيّدت بلا تحفظ قرار الإدانة إما بسبب سوء علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية أو لأسباب مبدئية أخلاقية. في حالة لبنان فهو اعتمد منذ أعوام في بيانات حكوماته عند تأليفها سياسة “النأي بالنفس” أولاً لتجنب تحميل الدولة مسؤولية تورّط “حزب الله” في الحرب السورية، ثم لمحاولة التمييز بين الدولة و”حزب الله” ولا سيما في ضوء توسع وظيفة الحزب المذكور عبر الإقليم وارتفاع وتيرة الأعمال المهدّدة لاستقرار العديد من الدول العربية على مستويات عدة تنفيذاً للأجندة الإيرانية في المنطقة.

وقد حاولت الحكومات في شقها غير المتورّط مع “حزب الله” اللجوء الى موقف “النأي بالنفس” للقول للحاضنة العربية المستاءة منها إن ما يقوم به “حزب الله” لا يمثل لبنان الرسمي. ومع ذلك كان للحكومات اللبنانية في محطات عدة سلوكيات مفخخة لمعنى “النأي بالنفس” كالموقف الذي اتخذه وزير الخارجية جبران باسيل باسم الدولة اللبنانية إزاء الاعتداء الإيراني المفضوح على المنشآت النفطية السعودية عام ٢٠١٩ عندما صوّت في الجامعة العربية بالامتناع عن إدانة هذا العدوان تحت شعار “النأي بالنفس” معلناً بذلك انحياز لبنان الرسمي للموقف الإيراني ضد دولة عربية مركزية معتدى عليها علناً هي المملكة العربية السعودية.

هذا السلوك عُدّ تطبيقاً سيئ النيّة لمبدأ “النأي بالنفس” خدمة لطهران قدمه الرئيس السابق ميشال عون عبر صهره!المسألة التي تهمنا اليوم هي اتخاذ لبنان في عهد حكومة يرأسها صاحب الشعار نفسه، موقفاً منحازاً الى أبعد الحدود لإيران، بينما في ظل غلبة “حزب الله” في المؤسسات الرسمية كان يمكن إعطاء تعليمات للوفد اللبناني في الأمم المتحدة بالامتناع عن التصويت نظراً لحساسية الموضوع، وتحاشياً للتدخل في الشؤون الداخلية لبلد آخر. لماذا لم نسمع أي موقف للرئيس ميقاتي؟ ولماذا لم يُثر الموضوع وزراء يصنفون “سياديين” في حكومة تصريف الأعمال؟إننا كأصحاب رأي في لبنان منحازون الى أبعد الحدود الى المحتجين الإيرانيين لكننا لا نمثل لبنان الرسمي، ولا نطلب من هذا اللبنان أن يتحلى بين ليلة وضحاها بشجاعة أعضاء منتخب كرة القدم الإيراني الذين لا نعرف المصير الذي ينتظرهم عند عودتهم الى بلادهم لكننا كنا نتمنى أن تطبّق هذه الحكومة التي يغضب رئيسها عندما نصفها بحكومة “حزب الله” شعار “النأي بالنفس” لا أكثر ولا أقلّ!

 

علي حمادة – النهار