بحثاً عمَّن يملأ الفراغ، أي رئيس لأي مشروع؟

على الأهمية المعلقة على الموعد الجديد لجلسة الانتخاب المقبلة بعد اسبوع، لما يمكن ان تحمله الأيام الفاصلة عن الجلسة من احتمالات تضييق الخيارات المتاحة امام النواب لاختيار رئيس جديد، لا تشي المعلومات المتوافرة عن أي إمكانية لحصول تقدم أو خرق على مشهد المراوحة السائد منذ بدء انعقاد الجلسات الانتخابية، ما لم يحسم ثنائي “حزب الله”- “أمل” خياراته والمبادرة الى الكشف عن مرشحهما، وإن كان رئيس “التيار الوطني الحر” النائب حبران باسيل قام بهذه المهمة وأعلن عن ميل الحزب الى تسمية رئيس تيار ” المردة” النائب السابق سليمان فرنجية.

من الواضح ان هدف باسيل بهذا الإعلان الذي يخالف آماله وتوقعاته، يرمي الى احراج الحزب، المتريث حتى الساعة في كشف اوراقه في إطار ما يسميه عملية استمزاج للآراء بحثاً عن قواسم مشتركة تساعد على وصول المرشح الذي يرضيه الى بعبدا.

يدرك الحزب انه عاجز عن إيصال مرشحه كما فعل في ٢٠١٦، كما يدرك انه عاجز عن ابقاء الشغور حتى استسلام القوى المعارضة لهذا المرشح، ودائماً كما حصل في ٢٠١٦ عندما قرر زعيم “المستقبل”، ومعه رئيس “القوات اللبنانية” السير بالعماد عون. لكنه يعي في المقابل، انه قادر على التحكم بالمشهد الداخلي حتى نضوج الطبخة الرئاسية التي ستترجم التسوية المرتقبة على الملف اللبناني في شكل عام ويندرج حكماً من ضمنها كرسي الرئاسة. وعلى هذا الأساس يتوقف عمر الشغور ومدته. ذلك ان ثلاث محطات سيكون لها تأثيرها المباشر على هذا الاستحقاق، تتمثل بالحكومة التي ستنبثق عن نتائج الانتخابات الإسرائيلية، مع فوز بنيامين نتانياهو، وبعدها الانتخابات الأميركية والمعادلة التي ستفرزها على صعيد عودة قوية مرتقبة للجمهوريين، وما يمكن ان تحمله من تطورات على صعيد الملف النووي الإيراني، اضافة الى تطور العلاقات الإقليمية في ظل التشنج السعودي الأميركي. ما يطرح علامات استفهام حيال مسألتين على تماس مباشر مع الملف اللبناني، أولهما يدور حول فرص توقيع اتفاق مع ايران، وثانيهما يتصل بملف الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل، وما اذا كان من ضمن الصفقة الكبرى أو لا، واستطراداً ما هو نصيب الحزب منها وهل يتصل بامتداداته الإقليمية او الداخلية.

أياً تكن المعطيات المتوافرة حتى الآن حيال هذه المحطات، فإن بلورتها تتطلب وقتاً سيكون الفراغ سيده على المشهد الداخلي، بحيث يكون من الصعب تمرير الاستحقاق الرئاسي في الوقت المستقطع.

وعليه، تراهن القوى المحلية على عامل الوقت لتحسين مواقعها وتعزيز قدرة أصواتها على تأمين تحالفات تضمن لها اكثرية مريحة تؤمن نصاباً مفقوداً عن سابق تصميم، لإيصال مرشح يحظى بالحد الأدنى من الاعتراض، ويكون بمواصفاته قادراً على تأمين مساحة مشتركة ضمن دفاتر الشروط المتناقضة المتحكمة بالمواصفات الرئاسية.

وامام الموزاييك المتعدد الألوان والاتجاهات والانتماءات، يصبح السؤال مبرراً عن الشخصية التي تتمتع بهذه المواصفات، وصولاً الى السؤال الاهم، هل البحث جارٍ عن اسم مرشح بمواصفات محددة، او عن مشروع للبلد يفرض الاسم المؤهل لتنفيذه؟

حتى الآن، يبدو السباق الرئاسي محصوراً في المشروع السياسي، بحيث يدور بين مرشحين جديين، وان لم يعلنا ترشيحهما في شكل رسمي يحترم المسار الديموقراطي، هما قائد الجيش العماد جوزف عون والنائب السابق سليمان فرنجية، من دون ان يعني ذلك الغاءاً او اقصاءاً لمرشحين آخرين يجري التداول بأسمائهم، ويتقدمهم حتى الآن النائب ميشال معوض كمرشح رسمي حتى الآن لفريق كبير من الكتل والنواب المستقلين، فيما يجري التداول ببعض الأسماء التي يتم طرحها كخيار ثالث من خارج الاصطفافات الراهنة.

ينطلق ترشيح فرنجية من المعيار السياسي المطروح ضمن تحالف الثامن من آذار، فيما يُطرح اسم العماد عون من منظار أمني انطلاقاً من موقعه على رأس المؤسسة العسكرية كضامن للاستقرار الأمني خصوصاً اذا طال امد الفراغ وشهدت البلاد اضطرابات أمنية تعبد وصول عون الى بعبدا من بوابة ضمان الامن والاستقرار. ولكن ثمة من يذهب ابعد في السؤال عن عنوان المرحلة المقبلة ليربط هذا العنوان بمواصفات الرئيس على قاعدة معادلة بسيطة ولكن اساسية تقوم على السؤال اي رئيس لأي مشروع؟

وجواباً على هذا السؤال يقول مراقبون انه على اهمية البعد السياسي او الأمني الذي يشكل احد المعايير الاساسية في البحث عن الرئيس المقبل، الا ان المرحلة اليوم تفرض مقاربة مختلفة تقوم على البعد الاقتصادي في ظل الظروف الكارثية التي تمر بها البلاد الرازحة تحت وطأة أسوأ واخطر ازمة اقتصادية مالية واجتماعية. وهكذا مقاربة في رأي هؤلاء تستدعي مرشحاً قادراً على التعاطي مع الأزمة ليس من باب ادارتها كما كان حاصلاً ، وفي شكل سيّء إبان عهد الرئيس السابق ميشال عون، حيث ادى سوء إدارة الأزمة الى الافلاس والانهيار، بل من باب مواجهتها واحترام الحلول لها. وهذا يتطلب توفر مظلة حماية سياسية تؤمنها قوى الداخل والخارج على السواء، اذا كان هناك قرار دولي بوضع البلاد على سكة التعافي بعد اعوام من الضغوط والعزلة والتضييق. وفي هذه الحال، يكون قائد الجيش أقوى بموقعه في الانخراط في تحصين الامن والاستقرار. ذلك ان المقاربة الأمنية في الظروف الراهنة لا تصلح ويجب الا تؤدي او تسهم في أي شكل في استدراج البلاد الى منزلقات أمنية كما يتردد في الكواليس الضيقة. فيحين ان مقاربة الاستحقاق من الخلفية الاقتصادية يجب ان تدفع نحو البحث عن المرشح الذي يتمتع بمؤهلات توفر له شبكة علاقات خارجية واسعة من اجل التواصل مع المجتمع والمؤسسات الدولية، من اجل استعادة الاهتمام الدولي بالبلد، وحتماً ليس على قاعدة الشحذ، كما هو حاصل اليوم. كما تتيح له التعامل مع الأزمة عبر ارساء الإصلاحات الملحة المطلوبة التي لا يمكن للبنان ان ينتقل الى سكة التعافي ما لم تقم السلطة السياسية باتخاذ القرار الجريء والجدي بالسير فيها على ارض الواقع وليس على الورق وضمن الخطط والبرامج النظرية.

 

سابين عويس – النهار