وداعاً عون… شكراً للطائف

بدا مشهد الجلسة النيابية الأخيرة بمثابة مراسم وداع للرئيس الجنرال ميشال عون. إنه وداع لحقبة بدأت عام 1988، حينما كان عون قائداً للجيش عشية انتقال لبنان من دستور عام 1943 الى دستور عام 1990 الذي انبثق من مؤتمر الطائف في المملكة العربية السعودية عام 1989 برعاية عربية وأميركية. وانتهت هذه الحقبة في 31 تشرين الأول 2022، أي الاثنين الماضي.

في العام 1988، وصل الجنرال الى قصر بعبدا بموجب دستور منح الرئيس امين الجميل في نهاية ولايته صلاحيات إقالة حكومة وتأليف أخرى، فكانت ولادة الحكومة العسكرية التي ترأسها عون ومارست صلاحيات لم يسبق لها مثيل في ظل مقاطعة شاملة للمسلمين بكل مذاهبهم سواء على المستوى السياسي، وهو ما تجلّى في حكومة الرئيس سليم الحص، أو على المستوى العسكري، حيث لم يكن هناك ضابط مسلم قبِل بالانضمام الى حكومة عون العسكرية.

وفي سنة 2022، لم يعد بوسع رئيس الجمهورية المنتهية ولايته، أي عون، ان يفعل ما فعله سلفه عام 1988، علما انه خلال الأسابيع الأخيرة، بذل كل جهد لكي يمارس ولو قليلا من صلاحيات ما قبل الطائف، فكانت بدعة استقالة حكومة تصريف الاعمال التي يترأسها الرئيس نجيب ميقاتي. إلا ان دستور الطائف كان بالمرصاد، إذ اعطى حكومة تصريف الاعمال، المستقيلة أصلا، صلاحيات ملء الشغور الرئاسي ولو في النطاق الضيّق.

في 13 تشرين الأول 1990، جرى تنفيذ الطائف بطلعات للطيران الحربي السوري فوق قصر بعبدا الذي رفض عون إخلاءه بعد انتخاب خلف اول هو الرئيس رينه معوض، ثم انتخاب خلفٍ ثان هو الرئيس الياس الهراوي.

في 30 تشرين الأول الماضي وقبل يوم واحد من انتهاء ولايته، غادر عون القصر وسط عراضة رتّبها “التيار الوطني الحر”، ولم تحتج هذه المغادرة الى طائرات الأسد، بل تطلبت تطبيق دستور الطائف الذي تمرد عليه الرئيس السابق عام 1989، لكنه عاد والتزمه في القسَم الذي تلاه بعد انتخابه في نهاية تشرين الأول عام 2016.

سادت تكهنات عدة قبل مغادرة عون السلمية، من أبرزها ان “حزب الله” كان مؤيدا لتطبيق الدستور وتاليا مغادرة حليفه مقره الرئاسي الذي هو ملك الدولة اللبنانية. وهناك الكثير من الأفكار التي يمكن العودة اليها لفهم موقف الحزب الذي لو شاء لوقف الى جانب الجنرال الذي أبرم مع الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله تفاهما عام 2006 هو الأشهر من نوعه في مسيرة الحزب اللبنانية قبل 40 عاما. لكن، لو فعل ذلك، لكان عليه تحمّل مسؤولية الاجهاز على دستور يتضمن في بنوده تثبيت سيطرة سلاح الدولة وإنهاء وجود أي سلاح آخر أياً تكن مسمياته، وهو ما ينطبق على سلاح “حزب الله”.

اليوم، وبعد 33 عاما، يعود اتفاق الطائف الى بيروت من خلال منتدى ينظمه السفير السعودي في لبنان وليد بخاري. إنها مناسبة لاستذكار الطائف، ولشكره على إنهاء عهد عون سلمياً.

 

أحمد عياش – النهار