آخر الأوصاف التي أتحفنا بها مسؤولو «حزب الله» بشأن الرئيس العتيد «لشعبنا المقاوم» هي «اللياقة». وبالطبع ليست «اللياقة» البدنية هي المقصودة، أو تلك الاجتماعية، فهما من القشور الدنيوية التي لا تقدّم أو تؤخر في المطلوب والمراد.
وعلى فكرة، «الرئيس اللائق» موجود ومعروف وحاضر، تماماً كما كان سلفه، ولا يحتاج إلّا إلى بعض الصبر لضخ الوعي في مواقف المعارضين المكابرين، فيرتقي حينها إلى قصر بعبدا ويستوي ملكاً متوّجاً على الكرسي، وإن كان سيملك ولا يحكم، بوجود الحاكم الأصلي الذي يستعصي على التقليد والتزوير.
غير ذلك من التفاصيل التافهة، التي مهما استغرقت من وقت سيصار إلى تذليلها. وفي الانتظار تبقى الفوضى هي السائدة، سواء على صعيد الدستور، حيث يدخل التشريع على خط إلزامية انهاء الشغور الرئاسي، وسواء على صعيد القضاء من خلال العمل الدؤوب والمفتعل ليتشظى أكثر فأكثر وتتناثر شظاياه، بعدما تحوّلت ساحته إلى حلبة مصارعة حرة، وسواء من خلال تضييق الخناق على لقمة الشعب البائس والمدجّن مع التبشير ببلوغ سعر صرف الدولار سقف الخمسين ألف ليرة لبنانية… والخير لقدام.
والأنكى أنّ من يكرّس الفوضى يتهم المنتفضين والمعترضين على المنظومة بأنّهم المتآمرون وعملاء السفارات. ويبدو أنّ هذه هي الاستراتيجية المطلوبة والمتواصلة لا تزال تنفذ بحذافيرها، سواء في الدول المصادرة سيادتها، أو في العمق الإيراني، لتبرر سياسة الحديد والنار المتبعة، والملحق بها سيناريو متنقل للاحتجاجات والاجتياحات وإبادة ثقافة لإرساء ثقافة أخرى لا قوام لها إلا وثنية الصور والشعارات وإلغاء المنطق، والالتزام بتبعية خشبية تسود القطيع الطائفي والإيديولوجي، ومن يخرج عنها يهدر دمه.
وعليه، فإنّ «عملاء لبنان» لا يختلفون عن «عملاء إيران» ما دامت غرفة العمليات واحدة، والوسيلة الأفعل والأنجع لمواجهتهم تكون بفرض التفاهم على اسم بعينه، يكون لائقاً بلقب «المقاومة» التي لم يبق منها إلّا التسمية، مع ترسيم الحدود التطبيعي مع إسرائيل.
وليس مهماً أن هذا الترسيم استدعى من الأمين العام لـ»الحزب» حسن نصرالله استخدام مهاراته في الطوبوغرافيا ليبرر تنازل لبنان عن جزءٍ من ثروته المائية والنفطية والغازية، حتى يلتف على الغضب الشعبي اللبناني، وليزيل الشك والتململ في بيئته الشيعية.
ولا عجب أن طويت هذه الصفحة وصار التطبيع بدوره تفصيلاً تافهاً، لأنّ المواجهة مع «العدو اللبناني» وفرض «الرئيس اللائق» أولوية لها ملامح معركة وجودية أشرس من معركة مواجهة العدو الإسرائيلي، بعد الاكتفاء بالحروب الكلامية من جهة المحور ودرة تاجه. ومعركة القضاء على «أعداء الداخل» تتطلب بعض الإجراءات الموضعية، تماماً كما كانت تجري الأمور ولا تزال، وذلك من خلال فبركة بعض الأحداث الأمنية ببصمات «داعشية»، في ضوء الترويج لعمليات نوعية أدت إلى كشف خلايا نائمة تستعد للاستيقاظ.
حينها يصيب المحور عصافير عدة بعمليات إرهابية غب الطلب، تحت عنوان «الاسلاموفوبيا»، الذي يحرّك هواجس الغرب ويثير رعبه، ويلين مواقفه، ويدفعه إلى القبول بتوكيل المحور إياه مواجهة هذا الخطر، مقابل التسامح مع أطماعه ونفوذه في المنطقة، ما يعطيه امتياز استثمار غول التطرف لمشاريع تخدم أجنداته، وتحديداً في لبنان.
وملء الشغور الرئاسي، وليس إجراء انتخاب لرئيس جديد، هو أحد المشاريع في المرحلة الراهنة، وإن من دون استعجال. المهم أن تنضج التسوية القائمة على الإرغام، والمهم رفض استحضار أسماءٍ أخرى لا تناسب «شعبنا المقاوم» الذي يختلف ويتعالى عن الشعب اللبناني «الآخر» بكل طوائفه ومذاهبه.
والأهم أنّ «الرئيس اللائق» سيأتي هو بلمحه وشحمه ودون سواه لأن الحاكم بأمره، وفي «مواجهة الاستحقاق الرئاسي يعرف من يريد ويتحرك من أجل أن يأتي إلى الرئاسة من يريد».
سناء الجاك – نداء الوطن