13 تشرين المشؤوم لعون… هل تثمر المصادفة انتخاب رئيس؟

قد تكون مصادفة خالصة ان يوجه رئيس المجلس نبيه بري دعوة الى النواب لانتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس المقبل في 13 تشرين الاول الجاري، التاريخ “المشؤوم” في توصيف التيار العوني الذي يحيي ذكرى اقتحام القوات السورية للقصر الجمهوري في بعبدا في ذلك اليوم من العام 1990، حين كان يشغله العماد ميشال عون رئيساً للحكومة العسكرية التي تولت صلاحيات رئاسة الجمهورية بعد تعذر انتخاب رئيس، ما ادى الى خروجه من القصر ولجوئه الى السفارة الفرنسية قبل ان ينتقل الى فرنسا حيث أمضى 15 عاماً، عاد بعدها الى لبنان غداة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

حتى المصادفة يمكن ان تنطوي على عدد من الإشارات لجهة رسم مسار الاستحقاق الرئاسي، وإمكان انتخاب رئيس جديد يخلف الرئيس عون في الذكرى الثانية والثلاثين لمغادرته قصر بعبدا، أو ربما الذهاب نحو تأجيل موعد الجلسة بطلب من “التيار الوطني الحر” الذي يملك كتلة نيابية كبيرة في البرلمان لمصادفة الجلسة مع موعد احياء الذكرى، تماماً كما حصل عندما تزامنت جلسة مناقشة الموازنة العامة مع ذكرى استشهاد الرئيس بشير الجميل، وإن كانت المقارنة لا تصحّ باعتبار ان الجميل كان رئيساً سابقاً للجمهورية.

في الحالين، سيكون بري قد سجل نقطة مزعجة في مرمى عون، أياً يكن مصير الجلسة انتخاباً او انعقاداً او تأجيلاً.

لم يكن مفاجئاً ان يوجه بري الدعوة الى جلسة ستكون الثانية في حلقات انتخاب الرئيس، وإن كانت الدعوة تثير تساؤلات حيال الهدف منها، خصوصاً ان رئيس المجلس كان أعلن غداة الجلسة الاولى التي فقدت في دورتها الثانية نصابها الدستوري، انه “إن لم يكن هناك أي توافق، ولم يحصل الرئيس المقبل على 128 صوتاً، فلن نستطيع إنقاذ المجلس، ولا لبنان، وعندما اشعر ان هناك توافقا، سأقوم بتعيين موعد لجلسة جديدة”. فهل استشعر بري تقدماً على صعيد الوصول الى توافق على الرئيس المقبل، أم ان دعوته تنطلق من تعديل او ربما توضيح لموقفه عبٓر عنه لاحقاً حين قال انه “عندما يدعو الى تحقيق التوافق، فهذا لا يعني الحصول على اجماع النواب الـ 128″، كاشفاً ان “توزع الكتل النيابية، الى النواب المستقلين، يتطلب سلوك هذا المخرج الإنقاذي”.

الاكيد وبحسب الأجواء المرافقة للملف الرئاسي ان التوافق الذي يتحدث عنه بري لم يحصل بعد، وإن كانت الجلسة الاولى قد اتاحت جسّ نبض الكتل المعارضة والتغييرية، فإن الدعوة الى جلسة جديدة لا تزال ضمن الأهداف ذاتها التي دفعت الى عقد الجلسة الاولى: التأكيد أولاً على دور رئيس المجلس ضابطاً لإيقاع المسار الرئاسي ومايسترو اللعبة الانتخابية، والتأكيد ثانياً على ابقاء الحيوية حيال الاستحقاق الرئاسي من خلال تكثيف الجلسات ضمن مهل حثّ، لدفع الكتل المترددة الى كشف اوراقها، علماً ان هذه المهل تشكل مرحلة حرق الأسماء والأعصاب، وصولاً الى بلورة الاسم الجدي الذي ستنتهي اليه التسوية الرئاسية. هذا الاسم الذي لا يزال مهندسو الانتخابات يحتفظون به حتى تدق ساعة الجد. وهذا في الواقع ما قصده بري عندما أبدى تمسكه بانتخاب الرئيس في ظل نصاب كامل، أي 86 نائباً، حتى لو لم يحصل الانتخاب في الدورة الاولى، بل بالنصف زائد واحد. بالنسبة الى بري، يجب ان يحضر تحت قبة البرلمان ثلثا أعضائه حتى يأتي الرئيس بالتوافق ضمن كل الكتل النيابية، علماً ان ثمة كتلاً تخالف بري هذا الرأي، خصوصاً اذا ما ذهبت الأمور الى تنافس بين اكثر من مرشح.

لبري اسبابه التي تدفعه الى الإصرار على هذا الرأي، منطلقاً مما افرزته نتائج الجلسة الانتخابية السابقة. فخريطة الانتخاب أبرزت 4 بلوكات موزعة على محورين. تحالف 8 آذار اجتمع على الورقة البيضاء في ظل تعذر التوافق على مرشح واحد، طالما ان هذا التحالف يجمع متنافسَين هما جبران باسيل وسليمان فرنجية. انقذت الورقة البيضاء التحالف في جلسة جس النبض، لكنها لن تنقذه عند الوصول الى مرحلة الحسم التي لم تدق ساعتها بعد في انتظار ان يكشف “حزب الله” عن المرشح الذي سيخوض به الاستحقاق. الاكيد على هذه الضفة ان تريث الحزب يعبّر عن عدم رغبته في فرض رئيس مواجهة في المرحلة الراهنة، ما يترك لرئيس المجلس هامش البحث عن مرشح توافقي غير مستفِز لأي مكون.

على المقلب الآخر، لا تبدو الصورة أوضح، فبلوك المعارضة منقسم بدوره بين التقليديين الملمّين باللعبة السياسية، وقد سمّوا النائب ميشال معوض حتى إشعار آخر، فيما يغرق التغييريون بشعارات لن تساعدهم على إيصال مرشح في ظل المعايير التعجيزية التي أسروا أنفسهم بها، وهي في الواقع معايير غير موحدة وغير مستندة الى الواقع، وتظهر عدم المام بالخصوصية اللبنانية والتاريخ! ورهان الأخصام ان يستمر الانقسام الذي يتيح لهؤلاء استدراج ما يكفي لتأمين الاكثرية بالنصف زائد واحد.

في اقتناع بري ومن يدور في فلكه، ان من يؤمّن النصاب، ينتخب الرئيس.

في الجلسة السابقة، أمّنت الكتل النصاب، لكنّ أياً من تحالفاتها لم ينجح في تأمين انتخاب رئيس.

هل يمكن التعويل على جلسة الخميس لانتخاب رئيس، وهل نضجت ظروف الانتخاب، وهل فترة الأسبوع الفاصلة عن الموعد كافية للوصول الى التوافق الذي يدعو اليه بري؟

المفاجأة واردة، كما تقول اوساط مواكبة للاتصالات الرئاسية. فالمناخ الدولي ضاغط جداً في اتجاه انجاز الاستحقاق الرئاسي وايلائه الاولوية على الملف الحكومي. وقد عبّر عن هذا المناخ البيان الأميركي الفرنسي السعودي الذي عكس مناخاً دولياً يشارك فيه الراعي الاقليمي الآخر، أي طهران، حيث لا تغيب ايضاً التطورات المتصلة بملفَّي الترسيم والنووي، ولا تفترق عن الملف الرئاسي اللبناني.

هذا المناخ الضاغط إيجاباً تجاه اولوية الرئاسة، لا يقلل الهواجس القائمة لدى الأوساط عينها من المعلومات التي ترددت عن توجه سلاح إيراني الى أوكرانيا. وهذا يعني، اذا صحّت هذه المعلومات، ان الوضع سينحو نحو التأزم والتصعيد وليس الانفراج او الحلحلة.

من هنا، ترى الأوساط ان جلسة الخميس يمكن ان تكون امام فرصة حقيقية لخطف الانتخاب في لحظة إقليمية ودولية ملائمة، شرطها الوحيد توافر توافق داخلي واسع على اسم مرشح يمكنه ان يحقق حداً أدنى من الإجماع حوله.

الاكيد حتى الآن ان الأسماء المطروحة اليوم (ميشال معوض او سليمان فرنجية او حتى جبران باسيل او سمير جعجع) لا تتوافر فيها الفرصة للجمع.

 

سابين عويس – النهار