نصر الله وإسرائيل وإيران!

أعلن حسن نصر الله، بعد ترسيم الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية، أنّه “في ما يتعلّق بالمقاومة تكون المهمّة قد انتهت”، وقال إنّ “كلّ التدابير والاستنفارات الاستثنائية التي قد اتّخذتها المقاومة أُعلن أنّها قد انتهت”، وإنّ “المهمة أُنجزت”، وإنّ الاتفاق “انتصار كبير وكبير جدّاً للبنان، للدولة، وللشعب، وللمقاومة”.

أوّلاً، يبدو نصر الله وكأنّه جورج بوش الابن عندما أعلن أنّ “المهمّة أُنجزت” بعد الاحتلال الأميركي للعراق، والكلّ يرى إلى اليوم أنّ مهمّة الاحتلال الأميركي ما زالت تداعياتها تدمّر العراق، وهذا ما سيحصل مع “مهمّة” نصر الله التي يقول إنّها “أُنجزت”.

ثانياً، وكما يقول لي صديق لبناني بطريقة عفوية: “هذه هي مهمّته”، قاصداً نصر الله. فهل كانت مهمّة “المقاومة” إنجاز اتفاق بحريّ لاستخراج النفط مع إسرائيل؟ إذا كانت هذه هي المهمّة فإنّها لم تكن تتطلّب كلّ هذه المغامرات وتدمير لبنان وتسليمه لإيران؟

ثالثاً، منذ متى كانت مهمّة “المقاومة” الاعتراف بإسرائيل، إذ إنّ ما تمّ هو اعتراف، ولو قال نصر الله إنّ “وقائع توقيع ترسيم الحدود من ناحية الشكل تؤكّد أنّ أيّ حديث عن التطبيع لا أساس له، وهو تجنٍّ”، بل إنّ التجنّي هو ما قاله نصر الله نفسه؟

الاتفاق البحري هو اعتراف بإسرائيل لأنّه اتفاق مع “كيان” على “حدود” هو يديرها، ويتحكّم بها، ولبنان أقرّ بذلك بمباركة من نصر الله، ونقطة على السطر، وعدا عن ذلك تسويف وضحك على الذقون.

رابعاً، يقول نصر الله إنّ الاتفاق مع إسرائيل هو “انتصار كبير وكبير جدّاً للبنان، للدولة، وللشعب، وللمقاومة”، فكيف يقول الآن إنّه ليس إنجاز سلام ولا تطبيع، وإلّا فأين الانتصار في ما حدث؟

يقول الإسرائيليون إنّ توقيع الاتفاق يعني منع حزب الله من أيّ تحرّك عسكري، فكيف يقول نصر الله إنّ الحديث عن التطبيع “لا أساس له وهو تجنٍّ”، ونصر الله نفسه يقول إنّ “المهمة أُنجزت”؟

يقول نصر الله أيضاً في حديثه نفسه إنّ “التدابير والاستنفارات الاستثنائية التي قد اتّخذتها المقاومة أُعلن أنّها قد انتهت”. فأيّهما الصحيح في حديث نصر الله نفسه، ودعك ممّا يقوله الآخرون؟

الأمر الآخر المثير للسخرية هو اتّهام نصر الله، ومن خلفه إيران، إسرائيلَ والولايات المتحدة بدعم التظاهرات في إيران، فكيف يُدين نصر الله ما يسمّيه “المؤامرة” على إيران ومرشدها، ثمّ يخرج محتفياً بالتوقيع اللبناني مع إسرائيل؟

هل إسرائيل التي وقّع معها لبنان بمباركة حزب الله هي غير تلك التي يتّهمها بالتدخّل في تظاهرات إيران؟ هل الولايات المتحدة الوسيط بين لبنان وإسرائيل هي غير تلك التي اتّهمها حسن نصر الله بدعم تظاهرات إيران؟ هل هناك جنون أكثر من هذا؟
أعتقد أنّ أهمّ من تنبّه لذلك العبث هم الإيرانيون أنفسهم الذين خرجوا أول من أمس متظاهرين ضدّ الأمين العام لحزب الله نفسه في لاهيجان بشمال إيران، مردّدين “سيد حسن نصرالله مي‌کشمت بي‌‌حيا”، أي “سيد حسن نصر الله سنقتلك بدون حياء”.

ولا يمكن أن يُقال هنا إلّا “سبحان مقلّب الأحوال”.

 

طارق الحميد – أساس ميديا