من قال إنّ دمشق تريد الترسيم؟

كالولد الصغير في ملعب المدرسة الذي يحاول أن يلعب في الثواني الأخيرة قبل أن «يدقّ الجرس» إيذاناً بانتهاء الفرصة الصباحيّة، يتصرّف العهد في أيّامه الأخيرة، لا بل في ساعاته الأخيرة.

فجأة، إستفاق الرئيس على سنوات رئاسته الضائعة التي أهدرها هو وصهره بالمناكفات السياسيّة وافتعال الخصومة بالمداورة مع مختلف الفرقاء (حتى حليفه الأساسي الذي «يستقوي» به في كل المحطات الصعبة، «حزب الله»، لم يتوانَ عن «زكزكته» إذا لزم الأمر)، وطبعاً من خلال محاربة طواحين الهواء واختلاق المشاكل حول الصلاحيّات والدستور، ليس من باب الحرص حتماً، إنما من باب المصلحة الفئويّة الخاصة.

فجأة، تذكّر الرئيس أنّه كان بالإمكان أن يحقق «إنجازات» حقيقيّة وليس وهميّة كتلك التي يريد تحقيقها في الأيام الأخيرة من العهد كي يغطي فشله الذريع طوال السنوات الست الماضية وهي الأسوأ في تاريخ لبنان على الإطلاق (دعك من الكلام الهمايوني لبعض مؤيديه الذي يوحي فعلاً كأنهم يأتون من كوكب آخر، ولكن الهزيمة السياسيّة تعكس نفسها بأشكال مختلفة عند الناس).

هل كان رئيس الجمهوريّة يتوقع من دمشق التي تغاضى عن زيارتها طوال فترة رئاسته، هو وولي عهده، أن «تبيعه» حقاً إطلاق مفاوضات ترسيم الحدود البحريّة الشماليّة في آخر عهده؟ من قال أساساً إنّ النظام السوري يريد ترسيم الحدود مع لبنان، البحريّة والبريّة؟ ومن قال إنّ «حزب الله» بدوره متحمس للترسيم الذي لا بد أن يصل يوماً ما إلى قضيّة مزارع شبعا ولبنانيتها الملتبسة خصوصاً أنها الورقة الاستراتيجيّة التي يتقاطع فيها مع دمشق، كل لمصلحته وحساباته؟

لعل ذاكرة الجنرال لم تسعفه عندما كان مشاركاً في طاولة الحوار التي دعا إليها الرئيس نبيه بري في العام 2006 وشارك فيها أمين عام «حزب الله» وقد طلب آنذاك إستبدال مصطلح «الترسيم» بمصطلح «التحديد» كي لا يُستفز الرئيس السوري بشار الأسد. إذا كان النظام في دمشق يُستفز من التعبير اللفظي، فهل من المتوقع أن يُسهّل عمليّة الترسيم الميداني وفي هذه اللحظة بالذات، أي على مشارف أفول العهد البائس؟

رغم «تغليف» الرد السوري بالعبارات الديبلوماسيّة المتصلة بالالتباسات حيال موعد زيارة الوفد اللبناني وحجة «تضارب المواعيد» (على أساس أنّ دمشق تعج بالوفود العربيّة والأجنبيّة ولا تملك متسعاً من الوقت لاستقبال الوفد اللبناني «الرفيع»!)؛ إلا أن النظام «انتقم» على طريقته من عدم قيام رئيس الجمهوريّة بأي خطوات جديّة لإعادة «تطبيع» العلاقات بين البلدين (وحسناً فعل ربما عن غير قصد).

ولكن، على الرغم من الضربة السوريّة القاسية للعهد في آخر أيامه، يحق التساؤل عن تركيبة ذاك الوفد «الرفيع» الذي كان يستعد للانتقال إلى دمشق، وعن عدم إحترام مبدأ فصل السلطات، كما حصل في ترسيم الحدود البحريّة الجنوبيّة. فما علاقة نائب رئيس مجلس النواب بالملفات التي يفترض أنها منوطة بالسلطة التنفيذيّة تحديداً؟ وهل رأيتم دولة في العالم توفد وزير خارجيتها لزيارة دولة أخرى في إطار وفد يترأسه نائب رئيس البرلمان؟

بمعزل عن الظروف السياسيّة التي دفعت الكتل البرلمانيّة سنة 2016 لإنتخاب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهوريّة، ولكن هذا الاقتراع حصل، ونال رئيس الجمهوريّة تأييداً ملحوظاً من مختلف الكتل تقريباً، إلا أنّ إصراره على عدم مغادرة موقعه الحزبي في اتجاه موقعه الوطني الجديد والسياسات العبثيّة التي انتهجها طوال ست سنوات أهدرت كل إمكانات التغيير وأطاحت الديناميكيّة التي تولدت بفعل الانتخاب يومذاك بعد نحو عامين ونصف من الشغور الرئاسي.

المهم الآن أنّ هذا العهد انتهى، ونقطة على السطر!

 

رامي الرّيس – نداء الوطن