طلب باسيل من “السيّد” موعداً مع فرنجية لإبلاغه رفضه رئاسته!

وم قام وفد من “التيار الوطني الحر” برئاسة رئيسه النائب جبران باسيل بزيارة رئيس مجلس النواب، الأخيرة على الأرجح له قبل انتهاء ولاية مؤسّسه (الجنرال) ميشال عون، تصرّف الأول بهدوء وتعقّل غير معروفين عنه كثيراً. فأثار معه موضوع الحوار الذي قرّر إجراءه من أجل توفير ظروف تسمح بانتخاب رئيس للبلاد تلافياً لخطر كبير عليها. كان ردّ بري: “أنا أحترم رئيس الجمهورية، وطالما هو يشغل هذا الموقع فأنا لن أبادر الى شيء من أجل تسهيل انتخاب رئيس جديد يخلفه بعد أيام. وما دام هو يشغل الرئاسة فنحن “ما فينا نعمل شي”. بعد انتهاء الولاية، وذلك صار قريباً جداً، نجري حواراً ونعمل ما نستطيع من أجل تلافي الشغور”. ويوم زار وفد من “التيار الوطني الحر” النائب محمد رعد رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النيابية الممثِّلة لـ”حزب الله” حليف “الجنرال – الرئيس” ورئيس تياره للبحث في طريقة تجنّب لبنان الشغور الرئاسي، قال رعد: “يا جماعة ليس لأحد أو لحزب أو لجهة أكثرية في مجلس النواب في هذه المرحلة. مَن لهم حظوظ في التربّع على سدّة الرئاسة سليمان فرنجية ومعه قائد الجيش العماد جوزف عون ونحن لا نمانع به. عليكم أن تعرفوا كيف تختارون واحداً منهما. يا هيدا يا هيدا. وإذا حصل ذلك يفوز أحدهما”. إلا أن رعد قال أمراً آخر مهماً في الإجتماع هو: “لماذا لا ترشّحون أحداً من التيار؟”. إستنتج الوفدان أن رئاسة جبران غير مستحبّة عند رعد، أي عند حزبه، لأن أحداً منه لا “يفتح على حسابه” مثل الأحزاب والتيارات والحركات السياسية الكثيرة في البلاد.

بعد ذلك جمع النائب باسيل رئيس “التيار” وزراءه في الحكومة المستقيلة وقال لهم: “بدنا نعمل شوية همّة ضد ميقاتي داخل الحكومة”. وبدا يومها أنه يعود عما طلبه منهم يوم استدعاهم الى منزله في اللقلوق و”وبّخهم” جرّاء “كسلهم ونعسهم”، إذ كان وصل الى اقتناع ربما بالعجز عن إبدالهم بآخرين من اتجاههم السياسي نفسه. والسبب الإخفاق في تأليف حكومة جديدة أو على الأقل في إدخال تغيير جذري على الحكومة المستقيلة يريد باسيل فيها “دماً” جديداً ووزراء مشاكسين مثله. الإنطباع عند كل الذين اطّلعوا على نتائج الاجتماع مع رعد أجمعوا من خلال أجوبته وأسئلته أن رئاسة باسيل للجمهورية غير واردة وغير مطروحة. وأدركوا أنه يتخبّط بين مواقف عدّة. إذ يريد أن يدخل تعديلاً جوهرياً في التمثيل المسيحي داخل حكومة ميقاتي ويقبل تعديلاً مسلماً محدوداً فيها، لكن الكتلة النيابية لـ”التيار الوطني الحر” لن تمنحها الثقة في مجلس النواب.

ويوم استقبل الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الأسبوع الماضي رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل ظنّ كثيرون أنه سيحاول إقناعه بترتيب علاقته مع “الحليف” سليمان فرنجية “المطروح” لرئاسة الجمهورية بقوّة إذا رفع الأخير فيتو “تياره” عنه، لكن الهدف الفعلي لنصرالله من ذلك الإجتماع كان معرفة ما إذا كانت رئاسة فرنجية ستتحقّق أو “يقطع الأمل” في ذلك. وقد عرف “السيّد” هذا الموقف بعد نقاش مع باسيل وكان ولا يزال، أي جواب باسيل: “نحن حلفاء. لكننا نرفض رئاسة فرنجية للجمهورية. ولن نقبلها لا اليوم ولا غداً وبعد عشر سنين”. هل فقد نصرالله في هذه اللحظة الأمل في إيصال فرنجية؟ لا أحد يعرف. لكن ما يعرفه الجميع هو أن جواب باسيل فتح الباب واسعاً على شغور رئاسي قد يطول وقد يقصر.
في اليوم التالي للّقاء مع نصرالله جمع باسيل أعضاء الكتلة النيابية لـ”التيار الوطني الحر” الذي يترأسه وتحدّث معهم بلهجة مختلفة عن اللهجة أو اللهجات التي اعتاد أن يتحدث معهم بها، إذ كان لطيفاً للغاية وهادئاً. قال لهم: “أنا لا أعمل شيئاً بلاكم، أي من دونكم. اجتمعت يوم أمس مع السيد نصرالله واتفقنا ما يجي أحد على الرئاسة من دون رضايي”. وفي هذا الكلام أمران. الأول أنه غير صحيح في المطلق ولا تنطبق عليه عبارة “غير دقيق” فقط. فهو و”حزبه” أبقيا دولة لبنان في فراغ رئاسي سنتين ونصف سنة بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان عام 2014 من أجل ضمان فوز حليفهما الجنرال ميشال عون بالرئاسة ونجحا في إيصاله إليها. فهل سيشلان البلاد طويلاً مرة جديدة من أجل جعل صهر عون وولي عهده باسيل خلفاً له في القصر الرئاسي في بعبدا؟ الجواب المنطقي عن هذا السؤال هو: كلاً طبعاً. أولاً لأن البلاد لم تعد تحتمل، وثانياً لأن الثقة بباسيل تزعزعت أكثر من مرة، وثالثاً لأن المنطقة قد تُقبل في وقت ما على تغييرات إقليمية ناجمة عن تغييرات دولية لا بد من أن تكون لها إنعكاسات على دول المنطقة، ولا سيما على الدول المضطربة فيها والمهترئة والمنقسمة على نفسها والمعانية نتائج حروب متنوعة إصلاحية وأهلية ومذهبية وإرهابية، هذا فضلاً عن حرب روسيا على أوكرانيا التي وضعت العالم كله ولا تزال على شفير حرب عالمية ثالثة قد تكون نووية وعن تداعياتها على دول مهمة في الشرق الأوسط الغني بالنفط والغاز الذي صارت أوروبا وأميركا والعالم الغربي كله في حاجة إليهما. وهي تداعيات قد تصيب دولاً عربية كبيرة يظن قادتها أن في وسعهم اللعب على حبال المشتركين في الحرب المذكورة وفي الوقت نفسه التدخل في أوضاع دول كبرى على نحو لا بد من أن يرتد عليها بضرر كبير وأذى أكبر.
في النهاية لا بد من الإشارة الى أمر يرجّح عارفون أن باسيل قاله في زيارته الأخيرة للسيّد حسن نصرالله هو: “بدنا نحكي بأسماء أخرى للرئاسة” فكان جوابه: “ما في أسماء ثانية”. ولا بد من الإشارة أيضاً الى أن تأكيد باسيل نهائية رفضه لوصول فرنجية الى الرئاسة أمام الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله دفع الأخير الى استنتاج صعوبة أو ربما استحالة إيصال فرنجية الى الرئاسة الذي وعده به يوم أبلغ إليه عام 2016 أن القرار هو إيصال “الجنرال” عون. ولا بد من الإشارة أخيراً الى أنه كان في إمكان الرئيس عون إقتراح حليفه السنّي الوزير السابق طارق الخطيب رئيساً للحكومة على حليفه “حزب الله” قبل تكليف ميقاتي وإقناعه به، إذ ربما كان حظي بالحكومة التي يريد والتي قد تحاول إحلال وليّ عهده مكانه في سدة الرئاسة.

 

 

سركيس نعوم – النهار