الوقاحة السياسيّة!

مع اقتراب انتهاء الولاية الرئاسيّة (وهي تكاد تكون الأكثر ثقلاً على كاهل اللبنانيين منذ الاستقلال لغاية اليوم)، تتسارع التطورات التي تؤكد مرة جديدة أن بعض القوى السياسيّة لا تتوانى عن تقديم مصالحها المباشرة على حساب المصلحة الوطنيّة العليا حتى ولو أدّى ذلك إلى انزلاق البلاد نحو المزيد من التقهقر والانهيارات المتتالية.

إن إصرار تيار العهد على تفويت الفرصة الذهبيّة التي توفرها المهلة الدستوريّة لانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة طالما لم تتحقق مصالحه يرقى إلى مصاف الخيانة السياسيّة العظمى. نعم، أن تئن البلاد تحت أقسى أزمة إقتصاديّة وإجتماعيّة ومعيشيّة غير مسبوقة لا خلاص منها إلا من خلال استعادة الثقة العربيّة والدوليّة التي صار مدخلها الحتمي والوحيد انتخاب شخصيّة تحظى بالثقة، ومع ذلك يتم تعطيل كل التفاهمات الممكنة والمقترحات المعقولة للخروج من عنق الزجاجة، فذلك لا يُصنّف على أنه أقل من الخيانة الوطنيّة.

لقد ألحّ تيّار العهد على تشكيل حكومة جديدة “كاملة المواصفات” متذرّعاً أن حكومة تصريف الأعمال لا يحق لها تولي صلاحيّات الرئاسة الأولى في حال شغور منصب رئيس الجمهوريّة على الرغم أنّ الدستور لم يحدّد طبيعة أو شكل الحكومة أو حجمها أو تركيبتها السياسيّة وما إذا كانت قائمة أو مستقيلة. المنطق الدستوري يلفظ الفراغ ويؤكد على فكرة ومبدأ استمراريّة المرفق العام.

وعلى الرغم من موافقة معظم مكونات المجتمع السياسي، ولو على مضض، على تأليف حكومة جديدة لقطع الطريق على التيّار إيّاه (الذي لطالما كان يجيد سياسة المناكفات ويطبّقها) لمحاولة ابتداع خطوات غير دستوريّة بدءاً من لحظة منتصف ليل الحادي والثلاثين من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري؛ فإذا بهم يذهبون نحو طرح سلة مطالب تعجيزيّة أقل ما يُقال فيها أنها تلامس حدود “الوقاحة السياسيّة” كإجراء تعيينات شاملة في الفئة الأولى ومنح الجنسيّة اللبنانيّة لأكثر من أربعة آلاف شخص وسواها من المطالب غير الواقعيّة خصوصاً أنها تأتي في الأيّام الأخيرة للعهد.

إنها إرهاصات التخبط الذي يعيشه هؤلاء نتيجة إدراكهم أن القطار قد فاتهم وأن اللعب بأوراق اللحظات الأخيرة لن يُبدّل حقاً من قدرتهم على تغيير الحقيقة الدامغة المثبتة بالوقائع والأرقام والمؤشرات أن عهدهم هو العهد الأكثر فشلاً في تاريخ الجمهوريّة. يستطيعون العبث والتعطيل؟ ربما، هكذا كانت سياساتهم منذ دخولهم إلى السياسة اللبنانيّة، وهذه “مدرستهم”!

في نهاية المطاف، التاريخ سيحدد موقعهم الحقيقي، وكلنا نعرف أين هو حقاً!

 

 

رامي الريّس – هنا لبنان