أهمّ من “الانتصار” كيف نحمي القطاع النفطي من المافيات؟

كنّا وددنا أن يكون حديثنا اليوم عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولا سيما أن رئيس مجلس النواب دعا الى جلسة لانتخاب الرئيس الجديد، والجميع يدرك أن الجلسة لن تفضي الى انتخاب رئيس جديد، لكن قد تكون محطة تحفيزية إضافية لدفع الكتل لتحديد خياراتها الرئاسية. والجلسة قد تكون مناسبة لمرشحين معيّنين في طليعتهم النائب ميشال معوّض لتحصين نتيجته السابقة، والأهم لمحاولة رفع الرقم، بما يؤكّد جدّية ترشيحه لمنصب الرئاسة. في مطلق الأحوال إنها جلسة لقياس الخيارات والأحجام.

وبما أن الجلسة لن تشهد انتخاب الرئيس الجديد، لا بدّ من العودة الى الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان وإسرائيل، والقول إن الاتفاق كان في نظرنا أفضل الممكن. لم يكن من الممكن الاستمرار في خوض حروب الطواحين الى ما لا نهاية، لأن الأهم الآن هو تغليب الناحية العملية للاتفاق بما يفيد لبنان واللبنانيين في المدى الأبعد. من هنا نحن نسمع أناشيد الانتصارات التي تتعالى من لبنان وإسرائيل على حدّ سواء وهي غير مهمة اليوم. طبعاً يهمّنا ما يحصل في لبنان. فبعيداً عمّن يعتبر نفسه صاحب الانتصار، وهو ليس كذلك، المهم بالنسبة إلينا نحن المواطنين اللبنانيين الإجابة عن سؤال: ماذا بعد؟

ماذا بعد استكمال الجوانب التقنية من استكشاف، وتنقيب، وحفر، واستخراج، وتسويق؟ ماذا بعد إنشاء الصندوق السيادي الذي يُحكى عنه كثيراً؟ ماذا في المرحلة التي تلي؟ كيف ستدار الثروة النفطية اللبنانية؟ ومن سيديرها؟ هذه هي النقاط الأهم بالنسبة الى اللبنانيين الذين اكتووا بنار الفاسدين، والفاشلين، والسرقة، والمجرمين، والمافيويين الذي بدّدوا أحلام اللبنانيين ربّما لأجيال قادمة؟ هل سنرى الأشخاص أنفسهم يديرون المرفق المثمر الجديد؟ ومن يضمن للّبناني ألّا يكون مصير المرفق بحجم ثرواته التي يتحدثون عنها شبيهاً بمصير القطاع المصرفي، ومصرف لبنان، ومؤسّسات الدولة التي نخرها الفساد الفلكي على مدى عقود من الزمن؟ هذه هي الأسئلة التي تحتاج الى تفكير جدّي على مستوى الرأي العام، إذ ليس مهماً أن نحتفل بما سُمّي انتصاراً في القصور الرئاسية، وتدور حلقات الزجل الشعبي لتصنع من اتفاق كان يمكن أن يكون طبيعياً وتأخر عقدين من الزمن، فيما دول الجوار كإسرائيل وقبرص سبقت لبنان بأشواط. المهم أن نفكر في كيفية إدارة المرفق بكفاءة ونزاهة وبحسّ المسؤولية الوطنية. بمعنى آخر، نريد أن نصدق أن المرفق لن يدار بعقلية الزبائنية السياسية التي طغت على تاريخ البلد السياسي والاجتماعي. ونريد أيضاً أن نصدّق أن المافيات المالية والسياسية المؤتلفة في ما بينها لن تكون واقفة متحفزة للانقضاض على ثروات اللبنانيين بألف طريقة وطريقة. ونريد أن نصدّق أن المرفق لن يكون مسرباً لتمويل غير مباشر للسلاح غير الشرعي والحالة الميليشوية الشاذة، بديلاً من المرجعية الإقليمية.

هذه هي الأسئلة التي يجب أن تكون موضوع نقاش، لا بل أكثر من ذلك، يجب أن تكون موضوع تحفّز وطني للتصدّي لكل جهة تسعى لوضع اليد على الثروة النفطية في لبنان. هذه ثروة مستقبلية، مخصصة لملايين اللبنانيين، وليس لمن يعتبر اللبنانيون أنهم بعد كل ما اقترفته أيديهم غير مؤهّلين لإدارة مستقبلهم.

 

علي حمادة – النهار