نواب الثورة: دعسة ناقصة

وصلتني من أحد نواب الثورة رسالة شكر على تضامني الدائم معهم حين يتعرضون للنقد من الأقربين والأبعدين. في الحقيقة لم يتسن لي التعرف على أحد سواه من بينهم معرفة شخصية لا قبل الانتخابات النيابية ولا بعدها، ما يعني أن هذا التضامن أبعد من أن يكون دفاعاً عن مواقفهم أو عن أشخاصهم بل دفاع عما أسماه عقل العويط «لحظة خارقة خارج الوقت خارج المكان خارج الماضي خارج الحاضر وخارج الزمان، لحظة في العقل الممتاز، لحظة في دولة الحرية، دولة العقل والحرية، لحظة ولدت في 17 تشرين وستظل تولد باستمرار».

كنت قد حدست الثورة قبل انفجارها ولم أتوقف عن الكتابة عنها، منذ ولادتها في 17 تشرين الأول 2019، مقالة اسبوعية في نداء الوطن، مقتنعاً اقتناعاً راسخاً بأن الانتفاضة الشعبية التي أطلقتها زيادة الرسوم على وسائل التواصل استمرت انتفاضة لأيام فحسب وسرعان ما تحولت إلى ثورة.

قلت لصديقي النائب، لا أنت مطالب بتقديم الشكر ولا أنا أستحقه، لأن دخولكم إلى الندوة البرلمانية حدث استثنائي في تاريخ بلادنا ولأن الفضل في فوز أي منكم لا يعود إلى كفاءة كل منكم بقدر ما يعود إلى روح الثورة التي لا تمثلونها وحدكم بل مثلها قبلكم، في الشوارع والساحات، شباب لبنان وشاباته الأبطال الذين تمردوا على النظام السياسي الأبوي المتوارث من قرون الاستبداد القروسطي والملقح بعقود من الاستبداد مارسته أحزاب دينية وقومية وأممية اغتصبت السلطة بالانقلابات العسكرية أو العمائمية.

أنتم أبناء الثورة وينطبق عليكم قول جبران، «أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة». بعض الذين انتخبوكم تعامل معكم لا بمنطق جبران، بل بمنطق النظام الأبوي أو الحزبي، وكأنكم ملك لهم، أو ربما خوفاً على تجربتكم من أي «دعسة ناقصة»

ما من شك في أن مجرد موافقتكم على الدخول في معترك الحياة السياسية من باب قانون انتخابي هو الأسوأ في تاريخ الديمقراطيات في العالم، بل أسوأ من ديمقراطية اليونانيين التي منحت لسادة القوم دون العبيد، هي في حد ذاتها مغامرة لا يقدم عليها إلا الشجعان، لكن أحداً منكم لم يكن يحلم بالفوز لولا الثورة وما راكمته في سنواتها الثلاث. فلا فضل لأحد منكم على سواه من زملائه الفائزين بقوة التسلط والاستبداد إلا كونكم أبناءها، وغداً قد تختار سواكم لتمثيلها في البرلمان.

لا شك في أن لكم في أي دفاع عن الثورة نصيباً، لأنكم أنتم من جسدتم نبضها وروحها ولسان حالها الناطق باسم السيادة والحرية والدستور. حقكم علينا من حق الثورة علينا. لكن حقنا وحق الثورة عليكم أنكم مؤتمنون على هذه اللحظة التي لم تولد لمرة واحدة ووحيدة كمثل تعديل الدستورعند كل انتخابات رئاسية، بل هي «لحظة ستظل تولد باستمرار» ولا يستحقها إلا القادر على التجدد.

لا شك في أن آليات نضال الشارع لا تشبه آليات نضال المشترع. «ووضع الندى في موضع السيف في العلى مضر كوضع السيف في موضع الندى»(المتنبي). عليكم ألا تنسوا نصائح الثورة حين انتقالكم من نضال الساحات إلى النضال البرلماني، فأنتم حملتم أمانة استبدال المحاصصة في الحكومة وفي الإدارة وكذلك في اللجان النيابية، وهي لعبة الفاسدين ومنتهكي الدستور وناهبي المال العام، بالنضال لإعادة تكوين السلطة مع ما يتطلبه ذلك من التزام بأحكام الدستور وبتعديل القوانين ولا سيما قانون الانتخاب. لكن القدم زلت بكم. انهضوا فلم يفت الأوان بعد.

حمّلتكم الثورة أيضاً أمانة الحفاظ على وحدتكم والحفاظ على تنوعكم. إياكم أن تتحولوا إلى حزب. أنتم أكبر من أن يحصيكم عدد وعليكم أن تكونوا ككرة الثلج لتزدادوا عدداً لا لتقعوا في فخ التشرذم. لعل ما حصل ألا يكون سوى زلة وتنهضون منها لتكون كلمتكم هي الأولى ومواقفكم هي المعيار.

 

محمد علي مقلد – نداء الوطن