عون يهدّد بـ”خضّات أمنية”

لولا “التشويق” الذي اعتمده بعض نوّاب قوى التغيير بالتأكيد أنّهم في صدد الإعلان عن مرشّحهم في الجلسة الرابعة لانتخاب رئيس الجمهورية أمس لمرّ الاستحقاق بضجّة أقلّ من روتين انعقاد لجنة البيئة أو الرياضة النيابية.

فقد طغت ملفّات أخرى بقوّة على المحاولة الفاشلة للتفتيش عن رئيس “ما بعد” ميشال عون. خصوصاً أنّ الجميع، من دون استثناء، يستعدّ لاستقبال “فخامة الفراغ” ولوقت لا أحد قادر منذ الآن على تحديد مهلته الزمنية. يبدأ الأمر بوهج التوقيع على تفاهم الترسيم البحري و”جرصة التنقيب” عن وفد الناقورة في ظلّ رفض الجيش المطلق تحمّل وزر توقيع التفاهم ولا ينتهي بصخب الاستعداد لمفاوضات الترسيم البحري شمالاً مع سوريا وجنوباً مع قبرص، وبدء العدّ العكسي لمغادرة عون قصر بعبدا، والأهمّ مواكبة محاولات الإنعاش الأخيرة لمحاولة تشكيل حكومة جديدة…
خليفة بدلاً من حنين

بدأ الـ suspense”التغييريّ” قبل ساعات قليلة من انعقاد الجلسة الرابعة لانتخاب رئيس الجمهورية بتصريحات للنائب المُقاطِع لاجتماعات تكتّل نواب التغيير وضّاح الصادق، اعتبر فيها النائب السابق صلاح حنين “أكثر شخص مؤهّل لرئاسة الجمهورية. وفي حال الفراغ يكون هناك مرشّحان قائد الجيش ومرشّحنا”. مع العلم أنّ تعديل الدستور لانتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية يُعتبر من أكثر النقاط الخلافية بين فريق “التغييريين”. لكن لاحقاً أعلن الصادق أنّه اقترع لميشال معوّض.

في المقابل كان التوافق بين نائبَيْ صيدا أسامة سعد وعبد الرحمن البزري وبعض نواب كتلة قوى التغيير قد قطع شوطاً من خلال تبنّي اسم الدكتور عصام خليفة، وهو الأمر الذي مهّد له النائب ملحم خلف بحديثه عن “مقاربة مختلفة للجلسة ورسائل”، إضافة إلى النائب فراس حمدان الذي اعتبر أنّ خليفة “يمثّل مبادئ 17 تشرين”، والنائب ميشال الدويهي الذي قال إنّه “ضمير الخط 29″، فيما عدد الأصوات التي نالها خليفة (10 أصوات) يؤكّد أنّه لم ينَل تأييد كلّ التغييريين.

بدا الانقسام فاضحاً داخل ملعب هؤلاء، فاستفاد من تسرّب الأصوات داخله فريق “لبنان الجديد” الذي ارتفع سكوره من 10 إلى 13 نائباً. وقد وصل الأمر إلى حدّ التشكّك في وضع نوّاب تغييريّين ورقة بيضاء في صندوقة الاقتراع.

“قادة أركان” الأوراق البيضاء

في المقابل تمسّك معسكر التيار الوطني الحر وحزب الله باستراتيجية الأوراق البيضاء كي يُخفي عورة عدم توافقه على اسم محدّد ولأنّه يُسلّم بصعوبة فرض رئيس فيما يُحارب مرشّحَ “التحدّي” على جبهة القوات-الاشتراكي والقوى الداعمة لميشال معوّض.

فعليّاً، مشكلة هذا المعسكر هي بين “قادة أركانه” قبل أن تكون مع معسكر الخصم في سعيه معه إلى الوصول إلى مرشّح تسوية.

سجّلت حصيلة أمس تراجعاً في الأوراق البيضاء من 63 (جلسة 29 أيلول) إلى 55 (جلسة 29 تشرين الأول) إلى 50 في الجلسة الأخيرة. مع العلم أن تسعة من النواب الـ14 الذين تغيّبوا عن الجلسة كانوا سيصوّتون للورقة البيضاء وهو ما كان سيرفع عدّادها إلى 59. يُذكر أنّ النائب جميل السيّد اقترع في الجلسة الماضية لـ”الدكتاتور العادل”، وقدّم أمس تعازيه على ورقة الانتخاب بكتابة عبارة “العوض بسلامتكم”.
نكسة معوّض

سُجّلت النكسة الكبرى على جبهة ميشال معوّض الذي يبدو جليّاً أنّ هناك من يتلاعب بأعصابه، وربّما يكون سمير جعجع نفسه المسؤول الأوّل عن حرق اسمه تدريجياً. فبدلاً من أن يرتفع السكور فوق الـ 42 صوتاً (كان هناك نائبان غائبان بحسب معوّض، ما يرفع العدد إلى 44 يومها)، حصيلة جلسة 20 تشرين الأول، تراجع أمس إلى 39 بسبب تغيّب 4 نواب، 3 من كتلة القوات، إضافة إلى نديم الجميّل، بحسب معوّض. والأرجح أنّ صوتي “تكتل الاعتدال الوطني” قد حجبا عن معوّض، وأضيف إليه صوت الصادق، ليصير العدد (39 + 4 غائبين = 43، فيكون التراجع بصوت واحد، بحسب تصريح معوّض بعد الجلسة.

قنبلة رئاسيّة

حَمَلَ طرح اسم خليفة على بُعد ساعات من توقيع التفاهم التاريخي مع إسرائيل، بوساطة أميركية، رسائل مباشرة وقوية. فالمؤرّخ اللبناني الدكتور خليفة فجّر قبل أيام فضائح من العيار الثقيل حين أكّد أنّ “الخط 23 هو خط إسرائيلي لا أساس علميّاً وقانونيّاً له، و”كاريش” لازم يكون لإلنا، وما يُسمّى بـ “قانا” هو امتداد لحقل كاريش”، متّهماً “عون وبرّي وميقاتي بالخيانة العظمى”.

كان الأمر كافياً للجزم أنّ “اقتحام” اسم خليفة المشهد الرئاسي لم يكن بهدف إيصاله إلى بعبدا، بل تفجير قنبلة على بُعد أيام قليلة من نهاية الولاية الرئاسية، ووضع برّي وميقاتي في زاوية الاتّهام السياسي المباشر بالتخلّي عن جزءٍ من الحدود البحرية جنوباً. وهو اسم يشكّل استفزازاً لمحور الممانعة أكثر من معوّض نفسه.

في الوقائع، تقلّص حضور الـ 110 نواب في الدورة الأولى إلى 79 في الدورة الثانية، فطار النصاب مُجدّداً بهمّة “ناسفي” جلسة الانتخاب بالأكثرية المطلقة، ضمن مسرحية ممجوجة تفضح القصور السياسي والنيابي الهائل في معالجة ومواكبة إحدى أخطر الأزمات في تاريخ لبنان الحديث.

لم يكن ممكناً أمس تجاوز مشهد ضارب في الوقاحة: عسكري متقاعد ومُقعَد تجرفه السيول داخل سيارته وتؤدي إلى وفاته، ونواب تحت قبّة البرلمان يتسلّون ويتسامرون ويضحكون وبطريقهم “يفجّرون” نصاب جلسة رئاسية.

لقد تبيّن أنّ تأجيل برّي لجلسة الانتخاب الخامسة التي حدّد موعداً لها الخميس المقبل إلى موعد لاحق مردّه إلى تزامن ذلك مع موعد توقيع لبنان على ورقة التفاهم البحري مع إسرائيل.

الحكومة أوّلاً

في الواقع، طغت “أخبار” الحكومة على جلسة الرئاسة أمس. فانشغال الوسيط اللواء عباس إبراهيم بإنهاء الترتيبات اللوجستية لعودة قوافل النازحين السوريين لم يمنعه من الاستمرار في محاولة الإنعاش الأخيرة للحكومة التي سيظلّ احتمال ولادتها قائماً حتى 31 تشرين الأول، على أن يوقّع عون مراسيمها قبل مغادرته وتكون “الثقة” مؤجّلة إلى ما بعد نهاية الولاية الرئاسية.

عون: الحكومة أو الفتنة

وفيما رُصِد تراجع بعبدا عن السقوف العالية من خلال بيان رئاسة الجمهورية الذي نفى عزم الرئيس عون إصدار مرسوم قبول استقالة الحكومة (لم يشِر البيان إلى صحّة أو عدم صحّة توجّه عون إلى الطلب من وزرائه مقاطعة أعمال الحكومة)، فإنّ مقدّمة نشرة “OTV” في اليوم نفسه تجاوزت كلّ السقوف من خلال التحذير: “إمّا حكومة جديدة وإمّا كارثة سيتحمّل مسؤوليّتها من يمعنون في تعطيل التأليف، لاعبين بالنار، ومهدّدين بدفع البلاد نحو مجهول ما بعده مجهول. كما يتحمّل مسؤوليّتها من حاول ويحاول تخطّي موقع رئاسة الدولة، ساعياً بكلّ ما أوتي من أدوات المكر والاحتيال السياسيَّين، إلى فرض تركيبة حكومية لا تحظى بموافقة الموقع الأوّل في الدولة”.
وفد التفاوض “البحريّ” مع سوريا يتقاعد الإثنين!!

إلى ذلك ربطت المحطة المحسوبة على العونيين حصول “الكارثة” بـ”احتمال حصول خضّات أمنيّة مباشرة أو تلك الممكنة على مستوى الأمن الاجتماعي، كنتيجة حتمية للفراغ السياسي”، مؤكّدة أنّ “المشهد خطير ومخيف. وممنوع تولّي (حكومة تصريف الأعمال) ما خصّصه الدستور من صلاحيات لرئيس الجمهورية”، لافتة إلى أنّ “رئيس الجمهورية، ومعه التيار الوطني الحر، يملكون مجموعة من الخيارات الكفيلة بمنع الانزلاق في المحظور، ومنها بدايةً كلّ ما يتّصل بإسقاط الصفات القانونية والمقوّمات الشرعية عن الحكومة الحالية، كي لا تتحوّل إلى أداة للفتنة ومصدر لتهديد الوفاق”.

 

ملاك عقيل – أساس ميديا