سامي الجميل فوق الطاولة وتحتها؟

عندما تسلّم النائب الراحل الدكتور جورج سعادة رئاسة حزب «الكتائب» في حقبة الثمانينات من القرن الماضي خلفاً لمؤسس الحزب الراحل الشيخ بيار الجميل، أطلق شعار «نقل الحزب من حزب المؤسس إلى حزب المؤسسة». لكن النائب سامي الجميل عندما تولى رئاسة الحزب منذ العام 2015 قلب الآية وعدلها ونصّب نفسه «مؤسساً جديداً» للحزب ورئيساً له مدى الحياة مُعطلاً اللعبة الديموقراطية الكتائبية المعمول بها في تكوين السلطة وتداولها دخل المؤسسة الحزبية.

كان الدليل الحيوي والعملي لشعار سعادة «نقل الحزب من حزب المؤسس إلى حزب المؤسسة» يوم تولّيه الرئاسة الكتائبية، هو انتخابات المندوبين التي كانت تشكّل تحضيراً لانبثاق السلطة في الحزب، أي المكتب السياسي ومجلس الشرف والهيئة العليا للرقابة المالية ورئيس الحزب ونوابه. ففي كل وحدة حزبية او جغرافية كان يحصل تنافس ديموقراطي لانتخاب المندوبين على عكس ما يجري اليوم. ولكن الآن في ظلّ رئاسة سامي الجميل للحزب فإنّ نسبة 95 في المئة من هذه الوحدات أُنشئت بالتزكية باستثناء بعض الوحدات التي تُنتخب بإرادة القيادة الحزبية العميقة التي تفتعل انتخابات صورية للإيحاء انّ هناك انتخابات ديموقراطية حصلت.

وتحت شعار «نقل الحزب من حزب المؤسس إلى حزب المؤسسة» عُدّل النظام العام أيام الرئيس كريم بقرادوني، وخصوصاً المادة التي كانت تتيح للرئيس البقاء مدى الحياة، فعدّلها بقرادوني وحدّد مهلة زمنية فترة ولايتين للرئيس فقط.

وما حصل اليوم، انّه بعد تولي سامي الجميل رئاسة الحزب عُدّلت هذه المادة لتجعل من الرئيس رئيساً للحزب مدى الحياة. وهذه «المادة الاوليغارشية» هي التي ادّت إلى تعكير علاقة سامي الجميل ببعض منظمات المجتمع المدني.

عملياً الآن، هناك ظاهرة حزبية في «الكتائب» تتمثل في كون رئيس الحزب ونائبه الأول وأمينه العام هم من أبناء المتن الشمالي، علماً انّ نسب المتنيين في المكتب السياسي والمجلس المركزي نسبة كبيرة، يصفها بعض الكتائبيين بأنّها «مخيفة»، ما يدلّ إلى انّ الحزب انتقل عملياً إلى ان يكون واقعاً تحت نفوذ عائلي ومناطقي.

وهناك عِرف جديد كرّسه سامي الجميل بعد توليه الرئاسة الكتائبية، وهو انّه بعد كل استحقاق انتخابي أو سياسي على المستوى الوطني، تعلو أصوات في الحزب تدعو إلى «التغيير»، تحت شعار أنّ رئيس الحزب يسير في وتيرة أسرع من الحزب، وأنّه هو المميز والفائق القدرة والموهوب، وأنّ الحزب في هذه الحال بات في حاجة إلى تغيير في المكتب السياسي ونيابة رئاسة الحزب وأمانته العامة، وهذا ما حصل عام 2018 بعد الإنتكاسة التي أصابت الحزب في الإنتخابات النيابية، وهذا ما يتوقع أن يحصل في المؤتمر العام للحزب المنتظر ان ينعقد في خلال السنة المقبلة. فطالما انّ ولاية رئيس الكتائب صارت مدى الحياة، فإنّ القيادة الكتائبية تتناوب على خدمة مشروعه.

وسامي الجميل الآتي من الحركة الاصلاحية انتقل إلى «لبناننا» نتيجة خلافه مع اخيه بيار، وفي «لبناننا» اعتمد سامي فكرة الفيدرالية ثم انتقل الى حزب «الكتائب» على إثر استشهاد شقيقه بيار، ناقلاً معه «افكاره التقسيمية» كما يصفها بعض الكتائبيين. وفي هذا السياق بدأ يطلق شعارات وافكار كان منها استيعاب جمهور «التيار الوطني الحر» ووراثة الرئيس ميشال عون. لكنه تخلّى لاحقاً عن هذا الشعار إثر توقيع ورقة التفاهم بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، ثم وجد نفسه مرغماً على إطلاق مواقف معارضة ذات نبرة عالية، بعد رفض الرئيس سعد الحريري توزير البير كوستانيان في الحكومة الاولى من عهد عون. ومن هنا انطلق سامي في خط سياسي جديد، واعداً رفاقه في القيادة الكتائبية في انّ تضحيته وتخلّيه عن تسمية مرشحين كتائبيين في كل الدوائر الانتخابية على مساحة لبنان، باستثناء دوائر المتن وكسروان وبيروت، سيؤديان إلى تكوين كتلة نيابية وازنة تضمّ اكثر من 20 معارضاً في مجلس النواب، يكون هو ظهيرها ومحرّكها وموجّهها. لكن ما حصل كان عكس ذلك، الامر الذي ادّى الى انقسامات كتائبية في مختلف الاقضية والدوائر، ما تسبب بتراجع شعبية الحزب وقوته فيها.

اما في مجلس النواب، فلا كتلة نيابية كتائبية معارضة ووازنة، علماً انّ ما حصل في الجلسة النيابية الاخيرة التي خُصّصت لانتخاب رئيس جديد للجمهورية لم يكن سامي الجميل «الدينمو» والمحرّك فيها، وفي كل ما يتعلق بهذا الاستحقاق الدستوري، بدليل انّه لم يكن خلف ترشيح النائب ميشال معوض، بل على العكس التحق بهذا الترشيح نتيجة نصيحة بعض الجهات الداخلية والخارجية التي تتعاطى بالاستحقاق الرئاسي اللبناني. وفي هذا السياق، نُقل عن معوض قوله انّ سامي التحق به في الساعات الاخيرة، ورغم ذلك اصرّ على الدخول معه إلى الجلسة. وقيل انّ سامي اوعز للنائب الكتائبي سليم الصايغ لعدم حضور جلسة الاقتراع الاولى بداعي السفر. كل هذه الاخفاقات دفعت سامي إلى التحضير للمؤتمر العام لحزب «الكتائب» بغية إلهاء الرأي العام الكتائبي عن الواقع المرير الذي يمرّ في الحزب نتيجة هيمنة رئيسه وتفرّده في اتخاذ القرارات والتوجّهات إزاء القضايا الكتائبية والوطنية في هذه المرحلة.

وتجدر الاشارة في هذا السياق، إلى شهادات بعض السياسيين عن سامي، منها شهادة أحد هؤلاء السياسيين عنه بقوله: «سامي فوق الطاولة شي وتحت الطاولة شي»، ومنها ايضا شهادة سياسي آخر قال عنه: «سامي تحت الطاولة شي وفوق الطاولة ما شي». هاتان الشهادتان ولّدتا انطباعاً لدى المسيحيين عن صورة جديدة لسامي سترافقه في السنوات المقبلة، كون صاحبي الشهادتين احدهما معروف بصدق كلامه وصدقيته، والآخر معروف بصراحته وقلّة كلامه وكثرة معلوماته.

وعندما بدأ سامي الجميل تحضير نفسه لتولّي رئاسة الحزب، تصرّف على اساس ان يكون المؤسس الجديد للحزب بعد جدّه بيار، فطرح شعارات كبيرة وسار في خطوات اوحى من خلالها انّه سيضخ دماً جديداً في شرايين الحزب، فانبرى لهذه الغاية إلى إبعاد «الحرس القديم» من الحزب، واعداً باستبداله بفوج من المنتسبين الجدد من الجامعيين، الامر الذي لم يحصل حتى الآن. مع الاشارة الى انّ سامي كان تسلّم رسمياً رئاسة الحزب عام 2015، لكنه كان تسلّمها فعلياً وضمنياً عام 2010، عندما أمسك بموازنة الحزب والادارة الحزبية، إلّا انّه فشل في تجديد الشباب الحزبي حسبما وعد، والسبب يردّه البعض إلى عدم وجود «الكاريزما» اللازمة لديه، فيما البعض الآخر ردّ الفشل إلى «ادارته السيئة».

 

 

طارق ترشيشي – الجمهورية