حوار سويسرا: زوبعة في فنجان!

أثار الحديث عن تنظيم لقاء حوار بين القوى والاحزاب اللبنانية الممثلة في مجلس النواب في سويسرا شبه عاصفة في البلد في مرحلة نقترب فيها من نهاية ولاية الرئيس ميشال عون، ومن دون ان تظهر ملامح تشير الى انتخاب خلف له قبل نهاية الولاية، لا بل ان المؤشرات تميل الى تغليب احتمال الشغور الرئاسي الذي قد يطول. على المستوى الحكومي لا حكومة قبل خروج ميشال عون من قصر بعبدا، لأنه لم يعد ثمة إمكان لمنح رئيس جمهورية راحل بعد أيام مكاسب سياسية وسلطوية ليست من حقه. فتشكيل حكومة يبادل من خلالها عون توقيعه بحصة وزارية في حكومة تنتقل اليها مجتمعة صلاحيات رئيس الجمهورية غير ممكن، لا بل غير جائز البتّة. ولذلك دعَونا منذ اشهر عدة الى عدم تشكيل حكومة تتيح لرئيس راحل من قصر بعبدا خلال فترة قصيرة ان يمدد وجوده هناك عبر حصة وزارية لا صفة له بامتلاكها. وعليه فإن حكومة تصريف الاعمال برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي يجب ان تبقى بعد خروج عون باعتبار ان كل الاجتهادات التي يحاول “التيار الوطني الحر” وبطانة الرئيس التسويق لها هي اقرب الى الهرطقات الدستورية منها الى قراءة موضوعية ومنطقية لنصٍ لم يرد في أي ذِكر لشكل الحكومة التي تتولى السلطة في حال الشغور وتنتقل اليها صلاحيات رئيس الجمهورية. ومعلوم ان حكومة ميقاتي، على علّاتها، تضم في صفوفها حصة لرئيس الجمهورية وتياره بما يكفل له ان يخرج مطمئناً الى حق “الفيتو” داخلها.

بالعودة الى موضوع طاولة الحوار التي يُعمل عليها في سويسرا، فإنها ليست مؤتمرا شبيها بمؤتمرات الحوار الوطني في جنيف ولوزان في مطلع ثمانينات القرن الماضي. وليست حتى “سان كلو” جديدة، ولن تكون، وهي أقل من حدث. لكن توقيتها سيىء، في نهاية عهد رئاسي كارثي، ومع معطيات تشي بحصول شغور مديد في موقع الرئاسة الاولى بما يدخل البلاد في حالة من اللاتوازن السياسي. أكثر من ذلك، فإن الحديث الآن عن مؤتمر حوار وطني في سويسرا في هذا الوقت يشعل الهواجس المختلفة، لا سيما ان الاعوام الماضية حفلت بسيل من الكلام التسويقي لمؤتمر تأسيسي يسعى اليه “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”. وصفقة ترسيم الحدود البحرية الاخيرة بين لبنان واسرائيل ما كانت لتتم لولا الضوء الاخضر الذي منحه “حزب الله”. ثمة خشية كبيرة من ان يكون خلف هذه الدعوة هدف أبعد بمنح الحزب الآنف الذكر مكاسب سياسية تفرغ دستور الطائف من جوهره. انطلاقا من هنا نعتقد ان الدولة السويسرية مطالبة مشكورة بإلغاء هذه الدعوة التي تتوالى منذ البارحة مواقف رافضة لفتح ابواب الحديث عن الدستور في لبنان. هذا ليس وقته. ففي لبنان قضايا اخرى اكثر اهمية اليوم. بدءاً بالعمل الجدي لمنع حصول شغور رئاسي يعمل له فريق الثامن من آذار بما فيه الرئيس عون في محاولة لالتقاط الانفاس واستكمال المعركة للبقاء في قصر بعبدا الرئاسي بكل الوسائل المتاحة، وصولا الى التفكير بما يمكن فعله على المسار الانقاذي اقتصاديا وماليا.
من هنا يمكن ان نعتبر ان حوار سويسرا هو مجرد زوبعة في فنجان لا أكثر!

 

علي حمادة – النهار