تغييريون ومستقلون: تواطؤ في أبهى صوره مع الممانعة؟

مَن يتابع جولات الجلسات النيابية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية يخرج بانطباع جدي ان ثمة قرارا بعدم انتخاب رئيس في المدى المنظور. هذا ليس بجديد، لكن الجديد هو في سرعة انكشاف عدد من النواب الذين يستظلّون إما الورقة البيضاء جزئيا وإما ورقة “لبنان الجديد”، والبارحة جاءتنا ورقة تحمل اسم الرجل العالِم والمثقف والآدمي والوطني الدكتور عصام خليفة لكي تزيد من فوضى التصويت الهادف الى إضاعة الوقت وإمراره في انتظار نضج “تسوية رئاسية” يعدّ لها “حزب الله” من اجل فرض رئيس يعمل تحت “عباءته”، تماما مثلما فعل الرئيس الحالي المغادر ميشال عون الذي سيبقى افضل استثمار قام به الحزب المذكور بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بطنّين من المتفجرات في وضح النهار في قلب بيروت. الآن لا يستطيع “حزب الله” فرض تسوية بسوء تسوية 2016 نفسها، لكنه يستطيع ادخال البلاد في شغور رئاسي يمكّنه من تحويله الى رهينة، توازياً مع العمل المنهجي لاختراق صفوف الكتل والنواب الذين لا يدورون حكماً في فلكه. والظاهرة السيئة التي نشهدها اليوم تتلخص بنجاح “حزب الله” في اختراق صفوف التغييريين وعدد من النواب المستقلين المسيحيين والمسلمين، تارة بتواصل مباشر مع بعض مفاتيحهم، وطورا بالايحاء لهم بشكل غير مباشر انهم يلعبون دورا مفصليا في استحقاق دستوري رئيسي. ثمة متواطئون مع “حزب الله” داخل صفوف النواب التغييريين والمستقلين المسيحيين والسنّة. هؤلاء مفاتيح يلعبون دورا سلبيا لا يخدم سوى الحزب المشار اليه. وثمة نواب سطحيون في فهمهم لما يحصل وللدور الذي يُدفعون للعبه. وفي النتيجة يتم التفريط بكثير من الأصوات بما يخدم مشروع “حزب الله” وسعيه للبقاء ممسكا بورقة قصر بعبدا. ان التصويت بورقة تحمل اسم “لبنان الجديد” مؤامرة في خدمة “حزب الله”، والتصويت غير الهادف حتى لإسم الرجل الكبير الدكتور عصام خليفة تشتيت للصفوف بما يمكّن الحزب من التعامل مع أكثرية نيابية مشتتة، ضائعة، ومخترقة من بعض المفاتيح “الشغّالة” عند فريق الممانعة.

إن كلامنا هذا ليس تجنيا على احد، بل هو قائم على استنتاجنا من هذه المهزلة التي يتسبب بها معظم الاستقلاليين والتغييريين الذين يخدمون إما عمداً وإما عرضاً مشروع السيطرة الميليشيوية على البلد. كل الكلام عن الاصلاح جيد، لكن الأهم من الإصلاح هو تحرير البلد من سيطرة مشروع هو نقيض لبنان ومعنى لبنان. من هنا دعوتنا للتغييريين والمستقلين الذين يتلطّون خلف غيرهم ان ينقّوا صفوفهم من المتواطئين بشكل أو بآخر مع مشروع “حزب الله”. فإذا كان بعض التغييريين يعتقدون ان الإصلاح ممكن تحت مظلة الحزب المشار اليه فهو واهم. واذا كان بعض المستقلين من خارج الأطر الحزبية مسيحيين او مسلمين يعتقدون انهم غير قابلين للتجيير لمشروع نقيض للبنان الكيان فهم أيضا واهمون. ان الاختراق واضح، والتشتت بهذا الشكل الفولكلوري في الاستحقاق الرئاسي هو خدمة جُلّى لمن اختطفوا البلد بأسره. وعندما يقال ان الرئيس المقبل يجب ان يكون مقدّرا لـ”المقاومة ودورها”، فمعنى هذا انه يجب ألّا يخرج من تحت عباءة مشروع من المفارقة ان نشهد في هذه الأيام تنديدا ومعارضة ورفضا شعبيا واسعا له، لا سابق له في ارض المنبع نفسه. من هنا دعوتنا ان يراجع التغييريون وعدد من المستقلين حساباتهم وان يدركوا عواقب سوء التدبير الراهن.

 

علي حمادة – النهار