“بهجة” الوداع… لا تفسدوها!

“سيحظى” الرئيس الثالث عشر للجمهورية في مراسم وداعه الشعبية قبل الرسمية بما لم يحظَ به من قبل أيّ من اسلافه. قبل أسابيع ثلاثة من نهاية ولايته في 31 تشرين الأول 2022 (نثبّت الموعد احتراما للتاريخ فقط) راحت شرائح واسعة من المواطنين تبدل العدّ العكسي المتشوق لرحيل الرئيس ميشال عون عن قصر بعبدا، فاستبدلت العدّ التنازلي بالايام الى عدّ بالساعات والدقائق والثواني! لم يكن ممكنا للدعاية العونية السكوت عن مدّ جارف سيواكب اليوم “الحزين” للعونيين ويوم “الانعتاق” المبهج لخصومهم كأنه الفجر المنتظَر فانبرت الدعاية العونية من الآن الى ابتكار وابتداع ما يمكن على سبيل تسميته “إنجازات” العهد المجيد.

في أي حال، لا يزال ثمة متسع رحب بعد “للقيام بواجب” وداع لائق لعهد الانهيار، ولكن ما نورده في هاتين الواقعتين لا يتصل فقط بمزاج البلد عند مشارف العشرين يوما على نهاية العهد العوني وانما أبعد بنموذج انقسامي من عشرات النماذج المحتقنة التي تزخر بها البلاد وهي على مشارف الفراغ المؤسساتي ولا نقول فقط الرئاسي. دقُّ جرس الإنذار الدولي من الفراغين عبر التحذير المبكر الذي اطلقه المجتمع الدولي من خلال مجموعة الدعم الدولية لم يكن مجرد بيان محشو بأدبيات خشبية ولو كان لبنانيون كثر ينظرون الى هذا النمط الدولي من التعامل مع قضايا لبنان من زاوية اليأس. لا يحتاج المجتمع الدولي الى تبيّن بلوغ “المجتمع السياسي” في لبنان أقصى سقوف العقم اطلاقا في الحقبة الراهنة التي ينزلق فيها البلد الى تجربة فراغ سلطوي صارت محققة بشبه يقين مطلق إلا في حال حصول “انفراجة” أخيرة قبيل نهاية الولاية بتعويم حكومي لا اكثر ولا اقل. وقد يكون من ضروب العقم الأشد بلاهة ان نعود الى “الضرب بالميت” ونراهن على استفاقة لإنقاذ لبنان من هذا الآتي الشنيع لدى قوى فطرت على ثقافة التعطيل والفراغ والشغور التي كانت هي في أساس المسببات الجوهرية التي أدت الى انهيار تاريخي في العهد المتوّج لهذه القوى.

ولكن “الأوجع” ان نقف حيارى امام عقم من نوع آخر لدى قوى معارضة لا نراها تتحلى بحد ادنى من القدرة على التفوق على الذات والخصوصيات الضيقة والخبرة المحدودة ولا على ما نستريب فيه من ارتباطات لا ندري كيف تسوّغ في لحظات حاسمة كهذه المضي في معادلات ضرب فرصة فرض مرشح قوي للمعارضة يضع قوى التعطيل امام امر قاهر ويجبرها على المقارعة الديموقراطية الحاسمة للاستحقاق.

يدخل الكلام على الفراغ المؤسساتي او الشغور الرئاسي في هذه اللحظة الاطار الأخطر لان كل ما سبقه كان في السياق النظري، أما قبل اقل من ثلاثة اسابيع على نهاية المهلة الدستورية فنكاد نصبح في قلب الكارثة النهائية التي ستسجل ان العهد العوني الذي جاء بعد فراغ لسنتين ونصف سنة ودّع الوطن بفراغ متجدد نعرف بداية تاريخه ولا نملك التكهن بنهايته ومآله ولا بمصير لبنان خلاله وبعده.

لن يفيد شيء من انفجار الانفعالات “الفرحة” بنهاية هذا العهد اذا كانت الحفاوة بنهايته ولو مبررة وطبيعية وواجبة أيضا، ستقترن مع الانزلاق الى فراغ رئاسي – حكومي يدخل لبنان في تجربة بعضها الكثير مسبوق على المستوى الدستوري ولكنها قطعا غير مسبوقة باقترانها بالانهيار. ومن حق كثيرين التوجس من إفساد “البهجة” بهذا العد التنازلي!

 

نبيل بومنصف – النهار