“السرّ” وراء غياب بري عن “الصورة الضاحكة” في بعبدا؟

من المرات النادرة التي جرى فيها التقاط صورة جمعت رئيسيّ الجمهورية والحكومة وهما في حالة انشراح الى أبعد الحدود، كتلك الصورة التي سجلتها كاميرا الزميل نبيل إسماعيل في قصر بعبدا وتصدّرت “النهار” امس. وفي هذه الصورة توسط الرئيسان ميشال عون ونجيب ميقاتي وهما مبتهجان جدا، نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب والمدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير.

لكن مَن غاب عن الصورة التي تسجل لحظة فرح اهل الحكم الذي قاد ولا يزال قطار مفاوضات الترسيم، رئيس مجلس النواب نبيه بري، كما غاب أيضا المدير العام للامن العام اللواء عباس إبرهيم ومستشار رئيس مجلس النواب علي حمدان. والاخيران كانا من ضمن من أشاد الرئيس ميقاتي بدورهما في اتفاق الترسيم الى جانب من ظهروا في الصورة.

هل من أسباب لهذا الغياب عن الصورة، أم ان الامر كان محض صدفة؟
قبل الإجابة، توقف المراقبون الذين واكبوا يوم “الاتفاق التاريخي” عند ظاهرة “إطلاق النار” الذي رافق الإعلان عن ولادة الاتفاق. و”إطلاق النار” المشار اليه، هو من النوع السياسي. وإذا كان إطلاق النار عادة درجت في هذه البلاد للتعبير عن حالة الابتهاج، إلا انه هذه المرّة عبّر عن اشتباك مبكر بين بعض أطراف الاتفاق وفي مقدمهم الرئاستان الأولى والثانية ومن يلوذ بهما. ومن نماذج هذا الاشتباك، ما أوردته الأوساط الإعلامية التابعة للرئيس بري التي قالت “ان الإنفراج الحاصل على مستوى ملف الترسيم الحدودي يقابله في الداخل اللبناني انسداد على المستوى الحكومي”. ولمناسبة جلسة مجلس النواب الثانية اليوم المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية، قالت هذه الأوساط: “انها لا تزال على موعدها ولا يبدو أن الرئيس نبيه بري في وارد تعديل هذا التاريخ. وهو يسأل: هل 13 تشرين الأول هو عيد رسمي؟ ويجيب: ليس على حدّ علمي، مؤكدا أنه يلتزم بالأعياد الوطنية فقط، ومشيرا إلى أنه إذا لم يتوافر النصاب هذا الخميس فسيحدد موعدا آخر”.

أما النائب علي حسن خليل المعاون السياسي لرئيس المجلس، فأعلن في أمسية الاتفاق: “لن ننتخب جبران باسيل رئيسا للجمهورية وهو من أفشل العهد”.

على المقلب الآخر، ذهب رئيس “التيار الوطني الحر” النائب باسيل بعيدا في الاحتفال بإنجاز إتفاق الترسيم، فغرّد كاتباً: “في عهد الرئيس عون، لبنان يسجّل اهم انتصار منذ عام 2000 في استعادة حقوقه…”. وقبل هذه التغريدة، قال باسيل ان الفضل في الترسيم يعود الى العام 2009 عندما بدأ زمن تسلّم “التيار” مقاليد وزارة الطاقة. وأضاف: “هذا العهد بدأ بإقرار مراسيم وينتهي بإقرار الترسيم، ما يضع لبنان على الخط السيادي والحقوقي الذي يستأهله شعبه”.
أما إعلام “التيار” فقال:”ايها اللبنانيون، صدّقوا ميشال عون. صدقوا ميشال عون الرئيس، كما صدقتم ميشال عون الجنرال …ميشال عون الرئيس كان اول من ابلغكم ان الترسيم تم، وان ما تبقى تفاصيل لن تكون قادرة على التعطيل”.

لكن ماذا عن الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، الذي لولا الدواعي السياسية والأمنية لكانت “الصورة الضاحكة” من حقه وحده بعدما وصل الترسيم الى ما وصل اليه بفضل قيادته الفعلية للمفاوضات؟

أهم ما يعني نصرالله في اليوم “التاريخي”، كان التذكير بمعادلة “جيش وشعب ومقاومة”، والتي أعادت التذكير بها قناة “المنار” التلفزيونية التابعة لـ”حزب الله” في هذا اليوم. فمع دخول لبنان “نادي الدول النفطية”، وفق ما قالت القناة، يعني ذلك ان سلاح الحزب صار له دور جديد يجعل وظيفته مستمرة الى وقت لا يعلم إلا الله متى ينتهي.

لعل أغرب ما في اليوم اللبناني لنجاح إتفاق الترسيم، هو ما قاله الرئيس الأميركي جو بايدن في اتصاله الهاتفي بالرئيس عون عن التهنئة بـ”الإنجاز”. فسيد البيت الأبيض إختار المناسبة ليقول لنظيره اللبناني إن موعد مغادرته قصر بعبدا صار وشيكا، فقال له: “السيد الرئيس، أنا أعلم أنكم في نهاية ولايتكم كرئيس للجمهورية. لذا، أتمنى لكم كامل الصحة والعافية… وأنا أعلم انكم في صدد انتخاب رئيس جديد للجمهورية من قِبل البرلمان، ونأمل أن تجري هذه الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد وبموجب الدستور”. فهل كان من داع لهذا الاستطراد من التهنئة الى التذكير بنهاية ولاية العهد؟

تقول أوساط إعلامية قريبة من الثنائي الشيعي، إن “التيار الوطني الحر” لا يخفي رغبته في أن يحصل على تعويض من جراء دوره البارز في إنجاز الترسيم. لكن الثنائي انقسم على نفسه عندما آن أوان تحديد هذا التعويض. فالرئيس بري يتصرف على أساس أن الرئيس عون قد “قام بواجبه” و”لا شكر على واجب”. أما السيد نصرالله فلا يزال يمارس أقصى حدود اللياقة في التعامل مع العهد، وهذا ما ظهر في إطلالته التلفزيونية الأخيرة، اذ قال: “اننا امام ساعات حاسمة ولستُ الجهة المسؤولة عن اعلان الموافقة على النص النهائي وننتظر اعلان الموقف الرسمي من الرئيس عون…”.

بالعودة الى عنوان المقال حول “السرّ” وراء غياب الرئيس بري عن “الصورة الضاحكة”، فبعد ما ورد آنفا، هل ما زالت هناك من أسرار تخفي الصورة المتجهمة التي جمعت ولا تزال مؤسس “التيار” وزعيم “الحركة” قبل أن يكون هناك ترسيم أصلا؟

 

أحمد عياش – النهار