الحزب عالق بين فرنجيّة وباسيل

لم تسقط بعد ورقة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الرئاسية، لا بل إنّ ورقته هي الأقوى لدى حزب الله. وما كلّ هذه الجلسات الرئاسية التي تنعقد سوى محرقة لأسماء وتضييع وقت لفرض أمر واقع لاحق. كلّ القوى السياسية تدرك ذلك. وإذا كان طرح القوات اللبنانية اسم ميشال معوّض لحرق سليمان فرنجية على اعتبار أنّ الرجلين المتنافسين في الدائرة الانتخابية نفسها يُعتبران نقيضين في السياسة، فإنّها لم تنجح بعد في تحقيق ذلك لأسباب عدّة. وما أهمّ الأسباب لتروّي حزب الله في ترشيح فرنجية للرئاسة سوى حرجه أمام حليفه المسيحي الأقوى جبران باسيل.

 

حزب الله محرَج من باسيل ويريد فرنجيّة

لم يُسمِّ حزب الله علناً بعد أيّاً من حلفائه مرشّحاً لرئاسة الجمهورية، وذلك لاعتبارات عدّة، أهمّها التوقيت والاستعداد والتقاطعات المحليّة والإقليمية والدولية لأنّ رئاسة لبنان دائماً ما تخضع لهذه التقاطعات. في المعلومات التي حصل عليها “أساس”، أنّ الحزب سيخوض معركة سليمان فرنجية في أثناء الفراغ الرئاسي ولو كلّف ذلك فراغاً طويلاً نسبيّاً. لا أحد يمكنه أن يحدّد مدّة الفراغ الرئاسي المقبل على البلاد، لكنّ العالمين بكواليس الأزمة الرئاسية، التي تختبئ خلفها أزمة دستورية، يرجّحون أنّ الفراغ سيكون طويلاً لأنّ الحزب لن يتخلّى عن موقع الرئاسة الأولى الذي حصل عليه بعد فراغ دام عامين من أجل إيصال ميشال عون إليه.

لا شكّ أنّ ظروف العام 2022 مختلفة جدّاً عن العام 2016، ولا سيّما بالنسبة إلى وضعيّة حزب الله. لكنّ هذا لا يعني أنّ الحزب لن يخوض معركة مرشّحه الرئاسية التي بدأ يحتسب لها الأصوات صوتاً صوتاً. غير أنّ السؤال الأكبر الذي يؤرّق الحزب حاليّاً هو: “إذا استطاع الحزب جمع 65 صوتاً لانتخاب فرنجية من دون أصوات التيار الوطني الحر، فهل يقفز فوق حليفه المسيحي الأقوى جبران باسيل؟”.

صعب جدّاً على الحزب أن يقفز فوق باسيل الذي بلّغ كلّ المعنيّين بأنّه لن يوافق بأيّ شكل من الأشكال على رئاسة سليمان فرنجية. وبغضّ النظر عن الرفض السعودي المستجدّ لرئاسة فرنجية، يواجه هذا الأخير وحزب الله معضلة تتعلّق بمعارضة باسيل الشرسة. فعلى الرغم من الخسارات المتراكمة التي لحقت بباسيل في عهد عون، لا يزال حزب الله يعتبره رقماً مسيحياً صعباً على الساحة المسيحية، ولا تزال الحاجة إليه وإلى حلفه بالأهميّة نفسها التي كانت عليها عام 2006.

بين سليمان فرنجيّة وجوزف عون

ترتفع مؤشّرات الفراغ الطويل بانتظار تسوية محليّة إقليمية دولية حول الرئاسة اللبنانية التي اعتادت أن تخضع لتقاطعات عواصم القرار. من جهتها قالت المملكة العربية السعودية كلمتها الأخيرة الرافضة لرئاسة سليمان فرنجية، وتُرجم ذلك في أكثر من مناسبة، ولا سيّما في تصويت تكتّل الاعتدال الوطني لـ”لبنان الجديد” كي لا يُحسب أعضاؤه فريقاً واحداً مع فريق الأوراق البيضاء. في المقابل يدرك حزب الله أن لا خلاص للبنان من دون محيطه العربي. فهو سبق أن اختبر معنى تخلّي لبنان عن علاقاته بالخليج، وتحديداً في عهد عون. وعليه، تشير المعلومات إلى أنّ حزب الله سيذهب بعد التمسّك بفرنجية إلى تسوية رئاسية تحت العناوين التي وضعها رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد عندما قال نريد رئيساً يقدّر المقاومة .

بناء على المعطيات الدولية المرافقة للاستحقاق الرئاسي، يطرح الحزب مجموعة من التساؤلات على طريق القصر: إذا خُيّر باسيل بين رئيس تيار المردة وقائد الجيش للرئاسة، فمن يختار؟

لا شكّ أنّ باسيل لا يحبّذ وصول أيّ من الرجلين إلى بعبدا. فالأوّل منافسه الشمالي الذي سيترجم عهده ازدهاراً لشعبيّته ونفوذه في دائرة جبران باسيل نفسها. وهذا ما يعتبره باسيل خطّاً أحمر ولو أُعطي بعض الضمانات بأن يكون شريكاً في محاصصة السلطة المقبلة. فباسيل لا يثق بأيّ من هذه الضمانات ولا يثق بحلف فرنجية مع الرئيس نبيه برّي وما يمكن أن ينعكس عليه سلباً من حلفهما.

أمّا الثاني، أي قائد الجيش جوزف عون، فعلاقته بباسيل سيّئة، وسبق أن رفض عون لباسيل أكثر من طلب. يدرك باسيل أنّه لن يكون له نفوذ في بعبدا في حال وصول عون إليها. غير أنّ هذا الخيار قد يكون أفضل بالنسبة إليه من خيار فرنجية، وذلك أوّلاً لأنّ قائد الجيش هو من بلدة العيشية الجنوبية، وبالتالي ليس قريباً من دائرة باسيل ولا يمكن أن يشكّل خطراً عليه فيها، وثانياً لأنّ جوزف عون ليس رئيس حزب أو تيار ولا قاعدة شعبية له، وبالتالي سيكون بحاجة إلى مظلّات سياسية تمثيلية أثناء رئاسته إن فاز بها.

غير أنّ من يعرف باسيل يعرف أنّه لن يتوقّف عن محاولة قطع الطريق على الرجلين طارحاً نفسه شريكاً أساسياً في تسمية الرئيس المقبل، وطارحاً أسماء يمكن أن يلتقي بها مع نواب التغيير ممهّداً لنفسه التموضع في فريق المعارضة المقبلة لِما في ذلك من مكتسبات شعبية له.

 

حزب الله وجوزف عون

بين حزب الله وقيادة الجيش تنسيق كامل في الجنوب وفي أكثر من منطقة حسّاسة بالنسبة إلى الحزب. فقائد الجيش حريص على علاقته بحزب الله كحرصه على علاقاته الخارجية التي تبدو متينة جداً ولمصلحته في المقبل من الأيام. في أكثر من مناسبة، كان للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله كلام يشيد بالقيادة، وهو ما يوحي بأنّ طريق عون سالكة إلى الرئاسة بعد دخول لبنان الفراغ. غير أنّ العالِمين بكواليس الحزب، يعلمون جيّداً كيف جرى تقييم عهد الرئيس الأسبق ميشال سليمان.

يومذاك وافق حزب الله على سليمان رئيساً تسوويّاً بعد اتفاق الدوحة الذي فرضه الحزب عقب أحداث السابع من أيار. وقد اعتقد الحزب أنّه فرض معادلة رئاسية بقوّة السلاح في بيروت والتسوية في الدوحة. ثمّ مرّت أعوام سليمان الأولى في الرئاسة هنيّة على الحزب، غير أنّ رهانه هذا سقط مع طرح سليمان في العامين الأخيرين إعلان بعبدا الذي اعتبره وقتذاك حزب الله انقلاباً على اتفاق الدوحة. لذلك يتروّى الحزب جيّداً في تحديد خياراته الرئاسية. تقول مصادره إنّه لا يريد رئيس تحدٍّ، بل يريد رئيساً تربطه علاقات جيدة مع القوى المحلية والخارجية، لكن لا يغدر بالمقاومة كما فعل سليمان. لذا إن كان في حساباته الموافقة على جوزف عون رئيساً، فهو سيطلب ضمانات حقيقية يعتبرها كافية له لعدم تكرار تجربة ميشال سليمان الرئاسية. حتى ذلك الحين يبدو المشهد معقّداً جدّاً ومقبلاً على فوضى دستورية سيتسبّب بها الفراغ الرئاسي.
ولمّا لم يكن بإمكان أحد أن يتوقّع المدّة الزمنية للفراغ الرئاسي المقبل على البلاد، فقد يدفع الحزب باتجاه تشكيل حكومة تكون امتداداً للعهد الحالي بانتظار التسوية الكبرى. وفي هذا الإطار لا بدّ من الانتباه إلى ما قاله باسيل أخيراً من أنّ الفراغ الطويل سيكون خطراً على الطائف. ولهذا الحديث تتمّة.

 

 

جوزفين ديب – – أساس ميديا