هل قال باسيل: أنا أو الفوضى؟

إن كانت كلمتا رئيس المجلس نبيه بري ورئيس حزب “القوات اللبنانية” فتحتا معركة الاستحقاق الرئاسي من باب مواصفات الرئيس، فإن أخطر ما يشهده هذا الاستحقاق، تجلّى في ما ورد على لسان رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الذي ذهب في كلمته قبل يومين الى ما هو أبعد من الرئاسة، واضعاً اللبنة الأولى لإطاحة النظام، من خلال دعوته الى حوار وطني جدّي حول الأساسيات التي تُختصر، الى جانب أزمة النظام، بالنظرة الى موقع لبنان والنموذج الاقتصادي الأسلم لأبنائه.

إذن، ومن باب الحكومة الفاقدة لشرعيتها وفق توصيفه، وعدم جواز تولّيها صلاحيات رئيس الجمهورية في حال الشغور، فتح باسيل معركة إسقاط الدستور تحت شعار الفوضى الدستورية تبرّر فوضى دستورية مقابلة. وهذا يعني أن الرجل الذي قرّر خوض معركة الحفاظ على السلطة في بعبدا أو من خلال مشاركة وازنة في أي حكومة مستقبلية تتيح تمديد العهد العوني، لا يخشى الانتحار السياسي من خلال اللعب “صولد”، وإن كان سيؤدّي الى نحر البلد سياسياً وطائفياً، ما دامت الفوضى الدستورية التي تحدّث عنها ولم يكشف اجتهاداتها ومستورها بعد، ستؤدّي الى استدراج البلاد الى تفجير احتقان طائفي على الجبهة المارونية-السنية.

هل تعبّر مواقف باسيل الحبلى بالفوضى والشعبوية عن مكمن قوة كما يصفها البعض في اتكائه على حليفه الثابت “حزب الله”، أم تعكس ضعفاً وهستيريا من فقدان كل شيء بعد ٣١ تشرين الأول المقبل كما يرى البعض الآخر؟ والى أين يمكن أن يؤدّي المسار الخطير والمفخّخ الذي رسم طريقه بوصلة لعمله السياسي في المقبل من الأيام؟

لا يسقط البعض من أصحاب نظرية القوة في كلام باسيل رهانه على الحزب، خصوصاً أن طرحه تغيير النظام يلاقي أو ربما الأصح ينفذ مشروع الأخير الذي طرح فكرة المؤتمر التأسيسي قبل أعوام. والمعلوم أن الأمين العام للحزب لا يرمي الكلام على عواهنه، بل هو يقصد كل كلمة وكل موقف، وبالتالي لم يكن كلامه عن مؤتمر تأسيسي صدفة بل كان مسألة وقت وإنضاج للظروف التي يصبح معها المؤتمر حاجة لا ترفاً.

ولكن هذا البعض لا يسقط أيضاً أن الحزب لن يكون قادراً على منح باسيل ثمن هذا المسار الذي أطلقه من موقعه المسيحي. فالحزب يدرك أن الظروف اليوم لن تسمح له بتكرار تجربة انتخاب عون التي أنجحها القبول السنّي والمسيحي لهذا الخيار من خلال غطاء وفره كل من سعد الحريري وسمير جعجع، مقابل تسليم ممتعض من قبل نبيه بري ووليد جنبلاط.

هذا الغطاء لم يعد في الإمكان توفيره، وقد بدأ التحالف بين الممتعضين والمعترضين يتسع أكثر حتى إنه بلغ المرشح الطبيعي لفريق ٨ آذار سليمان فرنجية. هذا يعني أن رئيس مواجهة ليس وارداً في الوقت الراهن. وهذا ربما ما يبرّر ذهاب البلد الى شغور كرسيّ الرئاسة. أخطر ما تحمله مواقف باسيل أنها تحضر لمرحلة من الاضطرابات لا يمكن إسقاط خطر تحوّلها عنفية إذا تكرّست الفوضى الدستورية تحرّكاً شعبياً، الأمر الذي يتقنه التيار جيّداً.

أما إذا بقيت الفوضى على المستوى الدستوري، فالكلام يطرح معادلة قائمة على تعطيل الاستحقاق الرئاسي على قاعدة خيارين لا ثالث لهما: إما الاتفاق مع التيار على رئيس وإما لا رئيس. وبهذين الخيارين، قطع الطريق على أي حظوظ محتملة لفرنجية أو على أيّ تسوية لا تكون له فيها الكلمة الوازنة، ولا سيما أن ملامح الصفقة لم تتضح بعد.

هل لا تزال هناك فرصة أمام طرح خيار ثالث يتمثل بتشكيل حكومة تنزع ذريعة الفوضى الدستورية من يد باسيل؟

الخيار هو أفضل المخارج الممكنة للمأزق السياسي الذي بلغته البلاد إذا تعطل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وفق ما تقول مصادر سياسية، إذ يتيح الأمر سحب فتيل أخذ البلاد نحو المجهول الذي يعدّ له باسيل، ولكنه غير وارد وغير قابل للتحقق ما دام مشروطاً بتوقيع الرئيس، وهو الأمر الذي لم يحصل إن لم تأت التشكيلة الحكومية كما يريدها باسيل.

وبناءً على ذلك، لا ترى المصادر سيناريو يجري الإعداد له في أروقة بعبدا إلا خيار إبقاء عون في قصر بعبدا، إذا تعذر وصول باسيل إليه. وقد بدأ هذا السيناريو يتردّد بقوة في الصالونات السياسية القريبة من التيار برغم النفي الدائم والمتكرّر لدوائر القصر له.

هل البلد أمام تكرار لسيناريو ١٩٨٨؟ أو معادلة المبعوث الأميركي ريتشارد مورفي “مخايل الضاهر أو الفوضى”؟

يبدو أن قرار السير بهذا السيناريو على الساحة العونية بات شبه وشيك، وإن مع تحديثات تضفيها اجتهادات دستورية لم تكن مطروحة في ١٩٨٨. ولكن فات البعض أن ٢٠٢٢ بظروفها ومعطياتها ليست ١٩٨٨ وإن كان عون ٢٠٢٢ هو نفسه عون ١٩٨٨؟

أصحاب الرأي الآخر يكتفون بالقول “الضرب بالميت حرام”، كاشفين عن معلومات موثقة تفيد بأن ثمّة ضغطاً دولياً لمنع إهمال الاستحقاق الدستوري، مضيفين أن الفاتيكان تحديداً قد أبلغ من يعنيهم الأمر في لبنان أن لا فرصة للّعب بالاستحقاق الدستوري، مع دعوة واضحة الى احترام مندرجات الدستور!

 

سابين عويس – النهار