اقتحام مصرفين: المسألة الاجتماعية حارقة!

تثبت حادثتا اقتحام مصرفين في يوم واحد من أجل انتزاع وديعة بالدولار الأميركي لأسباب استشفائية، أن المسألة الاجتماعية في لبنان باتت حارقة. لا يمكن أن يصل بلد الى هذا الحدّ من الانهيار الشامل على كل صعيد، وأن يبقى المواطن مخدّراً في هذه الجحيم. ولا يمكن أن يستمرّ الطاقم الحاكم غير آبه لما يعانيه المواطن، وأن تتواصل صراعات البلاطات، والمناصب التافهة (أمام وجع الناس)، والتنافس على اقتناص لقمة عيش المواطن وانتزاعها من فمه، ويبقى اللبناني على حاله يتفرج، ويحاول أن يتأقلم مع هذا الظلم المهول الذي يتعرّض له. إن البلاد تعيش إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية والمالية التي عرفها العالم منذ ١٨٥٠. هذا أمر ليس بسيطاً. ومن هنا شعورنا أن الشعب الذي يبدو للوهلة مخدّراً، قد لا يبقى على حاله. فقد يأتي يوم وينفجر الشارع متجاوزاً المحاذير الطائفية، والمذهبية، والحزبية التي تحاصره منذ “ثورة ١٧تشرين” التي أجهضت بتقاطع مصالح واسع عابر للأحزاب والطوائف والخصومات السياسية. الجميع عمل على إجهاض ثورة الناس، حتى المؤسسة الأمنية أدّت دور حامي الطاقم السياسي تحت شعار حماية المؤسسات. صحيح أن الانتخابات الأخيرة أفرزت خريطة جديدة لمجلس النواب، فدخلها دم جديد، ونواب حملوا شعار التغيير، لكن الصحيح أيضاً أنهم حتى الآن لم يرتقوا الى مستوى تمثيل الشعب المظلوم كما يجب. وبالطبع كانت لبعضهم زلّات في البدايات. لكن هذا ليس بالأمر المهم. المهم أن الواقع المخيف للمواطن اللبناني يمكن أن يتجاوز كل الأطر في يوم لا يتوقعه أحد. يمكن أن يأتي يوم نستفيق فيه على فوضى شارع عارمة، يغيب فيها عنصر الأمن أو الجندي الجائعان من الطريق، ويصبح الجميع أمام غضب الشارع.

ليس صحيحاً أن شعلة الثورة انطفأت في نفوس اللبنانيين، بل بالعكس. فإن كانت ثمة خيبة من أداء النواب التغييريين الذين يبدون حتى الآن كأنهم هواة في ملعب المحترفين، فإن الغضب لم يخفت، ولم يصغر، بل أصبح أكبر وأشدّ. نعم، نحن نشعر بوجود خيبة بين الناس. نعم، نشعر ونلمس وجود ضياع أمام جبروت مؤسسة الظلم في لبنان. لكننا نشعر ونلمس في المقابل ناراً كامنة يمكن أن تحرق كل شيء على حين غرّة.

إن الظلم اللاحق باللبناني المقيم والمغترب سينفجر. وما يسمّى معالجات، وإجراءات، وخطط تعافٍ وإنقاذ لا يصدّقها أحد، ولا سيما أن من يحملون رايتها هم أنفسهم من أوقعوا البلاد في الجحيم. هؤلاء غير مؤهلين لإنقاذ البلد وولاء المواطن اللبناني لهم مؤقت، ولم يعد ثابتاً راسخاً. لولا النعرة الطائفية المذهبية لصارت البلاد في مكان آخر. ولكن بالرغم من قوة مؤسسة الحكم في لبنان وجبروتها سيأتي يوم يكتشف فيه الجميع أن دوام الحال من المحال. إن غالبية الناس بدأوا يتحرّرون من القيود النفسية التي منعتهم من قلب الطاولة في السابق. وحادثتا البارحة يجب أن تكونا بمثابة جرس إنذار حقيقي، ليس للمصارف بل للطاقم الحاكم بأسره الذي يجتمع هذه الأيام في مجلس النواب لمناقشة موازنة دفترية نظرية غير واقعية وضعها أشخاص فقدوا كل صلة بحياة المواطن الحقيقية.

 

علي حمادة – النهار