“مرّة منيح… اتنين؟ ولا ردتو إيدي…”!

إن كان مجلس القضاء الأعلى ورئيسه يتحمّلان التبعة الكبرى في الرضوخ لتدخل سياسي وقح كذاك الذي مارسه عليهما “عينك عينك” العهد وتياره في سابقة فضائحية لتعيين قاضٍ رديف الى جانب محقق عدلي فإن “ميزة” هذه السقطة أنها تشكل إحدى العينات في لحظة أفول العهد عن أسوأ أساليب الازدواجية التي تبعها ويتبعها في عهده الفاشل من البدايات الى النهايات.

كان العهد وتياره يطلقان نار الردود العنيفة في كل اتجاهات الخصوم عاكسين تحوّل كل البلد باستثناء “حزب الله” خصوماً أساسيين أو محدثين لهما بعد عهد الانهيار الناجح تماماً على أيديهما، في الوقت الذي كانا فيه من خلف المشهد، وعلى طريقة “البلف” المخادعة، يمارسان أقصى الضغوط على السلطة القضائية الأعلى وينجحان في إيقاعها في سقطة معنوية وقانونية مسيئة جداً بقدر ما أساء إليها تهاونها أصلاً مع قضاة “منشقين” عن الأصول مستقوين بتبعيتهم للعهد. هذا النمط الذي يمضي في كشف ازدواجية باتت نهجاً ثابتاً هو نمط موروث من تلك “المعادلة” التي قامت بإزاء ابرام اتفاق الطائف الذي كان سيد هذا العهد ينادي بـ”الطائف زائد فاصلة” فقط ليصبح شرعياً ومقبولاً منه وكانت الفاصلة تقتصر على انتخابه رئيساً قبل ثلاثة عقود ونيّف ولم يحصل. ثم تجدّدت المعادلة في كل حقبات العبور الى رئاسة جمهورية الطائف نفسها الى أن نجح ابتزاز تعطيل الجمهورية برمّتها في فرض سيد هذه المعادلة على يد الحزب الحديدي وبصفقة مع القطبين الأساسيين من خصومه في قوى 14 آذار. كانت الازدواجية تحقق ذروة مبتغاها يوم فتحت زجاجات الشمبانيا في معراب ابتهاجاً باتفاق “أوعا خيّك” كما مع تلك الأمسية الناعمة التي حلّ فيها زعيم محاربة الحريرية ضيفاً استثنائياً على بيت الوسط. انفجرت السقطة الكبرى تلك بعدما استطاب العهد هدايا خصميه وانبرى تماماً الى التسلط بهمّة الاستقواء بالحزب الحديدي الى أن انهار البلد تماماً بين يديه وبفعل تسابقه مع كل ما يسمّى “منظومة الفساد” .

الممتع في الأمر أنه على رغم كل الأهوال التي ضربت البلاد في السنوات الست إلا شهراً ونصف الشهر حتى اليوم، ثمة لبنانيون لا يزالون قابعين في زوايا السذاجة القاتلة يصدّقون الدعاية التي يطلقها العهد وتياره بأنهما “أعداء المنظومة” وأنهما منها براء وأنهما جسم نقيّ يكاد يحظى بقدسية أمام شياطين الفساد الشركاء في السلطة والخصوم في آن واحد.

كيف يكون القديس والشيطان في مخدع واحد ستة أعوام؟ “مرة منيح اتنين؟ ولا ردتو ايدي ولا هو ارتد…”. نستميح فيروز وسعيد عقل عذراً لزجهما في هذا المعترك “الوضيع”، ولكن كيف تستوي معادلة الحرب على الفساد والزعم أن الفشل التاريخي المدوّي لهذا العهد القوي يعود الى مقولة “ما خلّونا”، وحين خلّوكم ها هي أنجح نماذج حكمكم في فضيحة تقويض القضاء؟

لن نبحر ونعدّد الإنجازات بطبيعة الحال لأننا نخاف على أنفسنا كلبنانيين وليس على أيّ شيء آخر من إعادة مراجعة أكبر سجلّ في إخفاقات الدولة والسلطة والمؤسسات بما يبقينا واقفين أمام رعب السؤال: كيف ومن وبمن سيمكن إعادة الانطلاق من تحت كل ركام لبنان بفضل هذا “النجاح” المدوّي؟ كانت أقل الحسابات الواقعية العاقلة والحكيمة تقتضي في الأسابيع الأخيرة من “آخرة” بهذه القتامة الخيالية التحصّن الى أقصى الحدود بالامتناع عن آفة الازدواجية فجاءت السقطة “حيث لم يجرؤ الآخرون” على تصوّرها!

 

نبيل بومنصف – النهار