ما الذي تغيّر لتوجيه بري الدعوة لانتخاب رئيس؟

بمقدار ما اثارت دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية يوم غد الخميس استغرابا كبيرا ، فان استقبال مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان وفدا من التيار العوني برئاسة جبران باسيل لم تكن اقل استغرابا لا سيما غداة بيان مهم للمفتي لم يكن يجوز ان يتاح تفريغه من اهميته وزخمه . الاستغراب الذي اثارته دعوة بري تنطلق من كلامه عن ارادته عن عدم توجيه الدعوة الى انتخاب رئيس ما لم يحصل توافق يؤدي الى انتخابه . فماذا تغير حتى وجه هذه الدعوة اللهم باستثناء تعطيل تأليف الحكومة في ضوء طلبات جديدة من رئيس الجمهورية كشروط مسبقة مواكبة لتأليف الحكومة على قاعدة التفاوض في ربع الساعة الاخيرة وعلى حافة الهاوية منعا لسقوط تأليف حكومة او استنساخ الحكومة الحالية . فعون اشترط الى جانب البحث في اسماء الوزراء الذين سيتم تغييرهم التوقيع على مرسوم التجنيس الجديد ومرسوم ترقية الضباط للعام 1994 الى جانب اقرار تعيينات لمصلحة التيار العوني مع تتويج باقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامه . فالدعوة من بري توجه رسالة الى ان الاولوية باتت لانتخاب رئيس جديد وان البلد اصبح ويجب ان يكون مستعدا لمرحلة اخرى لا سيما ان الجلسة النيابية التي اقرت فيها الموازنة اظهرت كم ان الواقع السياسي بات مفككا تحكمه الفوضى على مستوى الحكومة وعلى مستوى مجلس النواب كما على مستوى الوزراء ووزارة المال في شكل خاص . ولكن بعض الاحزاب وافقت على اقرارها على رغم الثغر الكبيرة فيها من اجل تسيير عجلة الادارات والمستشفيات الحكومية ولان اقرارها لا بد منه في السياق الراهن .

وفي ضوء مغزى الرسالة من دعوة بري لجلسة انتخاب رئيس جديد ، يفهم ان الطلبات الاخيرة لعون قد لا تتم تلبيتها من رئيس الحكومة المكلف الذي رد على هذه اللائحة الجديدة من الشروط المواكبة لتأليف الحكومة بانه سينتظر حتى يصبح عون جاهزا للاتفاق على ما تم التوافق عليه قبل عشرة ايام بعيدا من الشروط الجديدة . وترجح مصادر سياسية ان عون كبر حجر المطالب الاخيرة من اجل ان يحصل ما يمكن تحصيله لان ايا ما سيحصل عليه سيكون مكسبا اضافيا له علما انه من المستبعد ان تتم اقالة رياض سلامه مثلا واعطائه هدية تسميته هو البديل منه قبل شهر من مغادرته منصبه فيما انه عجز عن تحقيق ذلك في اوقات سابقة . ومن المؤكد ان وزير الداخلية لن يوقع مرسوما للتجنيس باي ثمن فيما كان اشار ضمنا في حديث صحافي الى صفقات وراء ذلك .وقد يحظى بتعيين بعض المقربين منه او يحظى بتوقيع مرسوم الضباط اذا تدخل لديه ” حزب الله” لاقناعه بانه قد يطيح في المقابل في حال اطاحته تأليف الحكومة بحصول الترسيم الحدودي مع اسرائيل قبل انتهاء ولايته او قد يطيح كذلك بوصول الفيول من ايران لتأمين الكهرباء ساعات قليلة فيخرج من السلطة بحد من المكاسب فيما ان عون لن يستطيع البقاء في بعبدا اذا تذرع بان الحكومة لا تستطيع تسلم مهام الرئاسة الاولى . اذ ان الحزب قد لا يدعم عون في هذه الحال ولكنه سيضطر الى الصمت وعدم انتقاده فيما انه سيتحمل عملانيا مسؤولية المزيد من الانهيار في حال حصول ذلك . واكثر من يهمه تأليف الحكومة في هذه المرحلة هو الحزب في الواقع مع اداركه ان حكومة تصريف الاعمال يمكنها دستوريا ان تتسلم مهام الرئاسة الاولى ، ولكنه يعطي حليفه المسيحي مكسبا كمخرج مشرف له ايضا في نهاية عهده ، علما ان الحكومة العتيدة تتخذ طابع الالحاح من جانبه في ظل الشغور الرئاسي المرجح الذي يتجه اليه البلد . اذ ان الشغور الرئاسي بات عاملا مهما في الواقع السياسي في لبنان منذ نجح الحزب في فرض انتخاب عون رئيسا بعد عامين ونصف من تعطيل جلسات انتخاب الرئيس . فالحاجة الى هذا الشغور تنبع من جملة اعتبارات يتقدمها انتظار مآلات العودة الى الاتفاق النووي الايراني بعد الانتخابات النصفية للكونغرس الاميركي او مطلع السنة المقبلة ومآلات امور اقليمية ودولية عدة ينتظر الحزب ان يبرمها او تبرمها ايران مع الدول المؤثرة المهتمة بلبنان من اجل العودة الى الداخل وليس العكس . وفيما لا يعتقد كثر ان الحزب يستطيع ان يعتمد الاسلوب نفسه الذي اعتمده في تعطيل جلسات الانتخاب حتى تأمين وصوله حليفه المسيحي ، فان ذلك لا يعني في رأي هؤلاء ان تغيير الاسلوب لا يعني سعيه الى ايصال من يرتاح له سواء كان رئيس تيار المردة سليمان فرنجيه او سواه . وسيستفيد الحزب من الترسيم الحدودي المحتمل مع اسرائيل لرفع قيمة اسهمه لا سيما مع فرنسا من اجل ان تتولى هي اقناع المملكة السعودية والولايات المتحدة ، في حال بقيت هذه الاخيرة مهتمة بعد الترسيم، بان طول مدة الشغور الرئاسي او قصرها تتعلق بطبيعة التفاهم حول رئيس يرتاح اليه الحزب ويطمئن اليه . وهذه النقطة بالذات يعتقد انها ستكون قوية في اقناع الغرب القلق في شكل خاص على اهتزاز الاستقرار وعلى التأثير البالغ السلبية لشغور رئاسي طويل على الوضع الاقتصادي والمزيد من انهياره بحيث تسلم الدول المهتمة بلبنان بما يعرض عليها على ان تتولى الضغط على القوى السياسية الداخلية الاخرى لاقناعهم بذلك لا سيما اذا حصلت تطورات صبت في هذا الاطار كانهيار جنوني اضافي مثلا في سعر صرف الليرة اللبنانية وتداعيات ذلك على اللبنانيين . فالورقة الاساسية التي يستخدمها الخارج ولا سيما الدول الخليجية تتصل بصعوبة الاعتراف برئيس يكرر تجربة عون لبنانيا ومع الدول العربية وهي تمسك بورقة مساعدة لبنان من عدمها فيما ان الحزب قد يناسبه ابقاء الدول الخليجية بعيدة من لبنان في ظل الرهانات على الغاز البحري بعد سنوات. ويخشى كثر ان اسلوب انهاك الخارج ودفعه الى المزيد من الملل والتعب وحتى اليأس من لبنان يساعد جدا في التسليم من جانبه للامر الواقع الذي يفرض بطريقة او باخرى .

 

روزانا بومنصف – النهار