ماذا لو لم يكن 31 تشرين الأول يوماً عادياً؟

لن يكون يوم الحادي والثلاثين من تشرين الأول المقبل، تاريخ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، يومًا عادياً حُكماً، لا بالنسبة الى الرئيس الذي يُفترض بموجب الدستور ان ينهي ولايته ويغادر القصر، ولا بالنسبة الى شريحة واسعة من اللبنانيين تتطلع بقلق بالغ الى ما سيحمله هذا اليوم، اذا لم يكن استحقاق انتخاب رئيس جديد قد حصل، أو اذا لم تكن قد تشكلت حكومة جديدة تملأ فراغ الرئاسة.

بحسب التوصيف الذي اعطاه الرئيس في حديث صحافي امس،ان يوم 31 تشرين الاول سيكون الأطول والاصعب، كاشفاً في موقف يناقض كلياً مواقفه السابقة المؤكِّدة على قراره مغادرة بعبدا، انه لن يقف مكتوفا اذا تأكدت شكوكه حيال المؤامرة التي تحاك للبلد. وترجمة المؤامرة تتلخص بالنسبة اليه في تسليم صلاحيات الرئاسة الى حكومة تصريف اعمال، والدفع نحو تغيير النظام.

للمفارقة ان هذا الكلام ليس بعيداً عما تردد اخيراً في بعض الاوساط السياسية والاعلامية التي وصفها بيان للرئاسة بأنها صادرة عن “ولاد حرام”، باعتبار انها طرحت الخيارات التي يمكن للرئيس اللجوء اليها في حال تعطل تأليف حكومة جديدة.

الى اين يقود كلام الرئيس الذي تنتهي ولايته بعد نحو ستة اسابيع وسط حالٍ من القلق غير المسبوق سياسيا وامنيا واقتصاديا وماليا ومعيشيا، وهل تٌفهم ترجمته بأن البلاد تسير بخطى ثابتة نحو الفوضى والفراغ الدستوريين اللذين، للمفارقة ايضاً، حذّر منهما قبل ايام ايضاً رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل؟

لا يحول دون دخول المحظور الامني والسياسي إلا خيار من اثنين: إما احترام المهل الدستورية وانتهاء الولاية الرئاسية، والذهاب بالتالي نحو انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهذه مسؤولية المجلس النيابي الذي لا يبدو حتى الساعة جاهزاً للتحول الى هيئة ناخبة، قبل ان ينجز ورشته التشريعية، وهو يستعد لمناقشة واقرار قانون الموازنة العامة. وثمة من يرى في اصرار رئيس المجلس على انجاز الموازنة تحت مبرر التزام تعهدات لبنان تجاه صندوق النقد الدولي، أنه يسعى الى ملء بعض الوقت وافساح المجال امام الاتصالات والمشاورات لإنضاج توافق على الرئيس المقبل. وهو من اجل ذلك، لن يبادر الى الدعوة الى جلسات الانتخاب قبل بلورة هذا التوافق. ما يعني عملياً ان المجلس لن يتحول الى هيئة ناخبة قبل مهلة الايام العشرة الاخيرة التي ينص عليها الدستور.

وفي هذا المجال، تعرب مصادر سياسية عن اعتقادها ان الكلام الاخير لرئيس الجمهورية يجب ان يدفع المجلس نحو الاستعجال في انجاز الاستحقاق الرئاسي منعاً لأي خطوات او اجراءات يهدد عون باللجوء اليها لمنع الشغور الرئاسي. لكنها في الوقت عينه تتساءل ما اذا كان المجلس سيقوم بهذا الدور ويمارس صلاحياته او انه سيكون اسير التجاذبات والخلافات التي تحكم المشهد السياسي الداخلي في ظل الصراع المتأجج على السلطة والنفوذ.

الخيار الآخر الذي يرتسم في الافق يكمن في الذهاب الى تشكيل حكومة بقطع النظر عن مواصفاتها، وما اذا كانت تعويما للحكومة السابقة. لكن هذا الخيار سيعني حكماً تنازل الرئيس المكلف عن موقفه الرافض لتوسيع الحكومة كما يطالب رئيس الجمهورية والرضوخ لمطلبه زيادة عدد اعضائها بستة وزراء دولة سياسيين. وينبع رفض ميقاتي من عدم رغبته في تمديد عهد عون عبر اعطائه اكثرية في حكومته العتيدة.

واذا تعذر تحقّق أي من الخيارين، ما هي الامور التي يعتزم عون اللجوء اليها لئلا يبقى مكتوفا كما قال، واستطراداً، ما هي الفوضى الدستورية التي سبق لباسيل ان وعد بها تمهيداً لما سيقدِم عليه الرئيس؟

لن يسرّ الرئيس بسرّه قبل موعد انتهاء ولايته على ما تقول اوساط قريبة من دوائر بعبدا، ولكن هذا لا يعني انه لن يلجأ الى كل الوسائل المتاحة للحؤول دون خروجه من بعبدا خالي الوفاض. يدرك عون تماماً انه أياً تكن الظروف المقبلة على البلاد، وما يمكن ان تحمله من تسويات، فإن الفرصة الوحيدة المتاحة أمامه اليوم لضمان استمرارية عهده تكمن في خيارين لا ثالث لهما، إما إنضاج تسوية تأتي بباسيل او من يدور في فلكه رئيساً، وإما الضغط على الرئيس المكلف من اجل الرضوخ والقبول بتوسيع الحكومة لكي يوافق عون على التوقيع على مراسيم تأليفها.
ولأن عون أُبلِغ ان حظوظ باسيل تقارب الصفر في ظل عوامل خارجية وداخلية لا تصب في مصلحته، وفي ظل قدرة نواب المعارضة على تعطيل اي جلسة انتخاب يكون مرشحها باسيل، فإن عون يتجه الى زيادة حجم التهويل والضغط على ميقاتي للقبول بشروطه.

ولا تستبعد مصادر سياسية مراقبة ان تشهد البلاد في ربع الساعة الاخير قبل انتصاف ليل الحادي والثلاثين من تشرين الاول المقبل تشكيل حكومة تدير الفراغ، في ظل توجس دولي من تعذّر إنضاج تسوية رئاسية، مذكّرة بكل المناخ الذي رافق الانتخابات النيابية والتوقعات بعدم حصولها، وقد سقطت كل تلك التوقعات وأنجِز الاستحقاق.

هل ينسحب الامر على الاستحقاقين الرئاسي او الحكومي على الاقل؟

حتى الآن كل المؤشرات الداخلية والخارجية تشي بأن البلاد مقبلة على فراغ قاتل يتوِّج الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي، تمهيداً لرسم ملامح مرحلة مقبلة قد لا تكتفي بإعادة النظر في النظام السياسي والدستور!

 

سابين عويس – النهار