“ليلة سكاكين الفوضى”!

لعل ما ينبغي أن يدركه أقطاب الانهيار في العهد الآفل والطبقة السياسية اللاهية بشتى السخافات أن المهلة الدستورية بدأت على “وعد الفوضى” التي لن تبقي ولن تذر باشتعالاتها المتواترة، ولا وعد آخر سواه. كانت شديدة التعبير والرمزية تلك الليلة الفائتة، ليلة 31 آب – 1 أيلول، ليلة “سكاكين الفوضى”، على غرار السكاكين الطويلة، التي مرّت مواكبة اللحظات الأولى من المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية “الرابع عشر”. تخيلوا، الرئيس الرابع عشر الموعود أو المفترض، كأنه لويس الرابع عشر “الملك الشمس” بعد كل هذا القيظ والانهيار في صحراء الفقر والتعتير والغضب والتصحّر الذي كان اسمه لبنان الأخضر ولبنان سويسرا الشرق. في هذه الليلة الفائتة، قدّمت مناطق عدة من لبنان نموذجاً تعبيرياً أولياً عمّا “ستكون” عليه حتماً أسوأ فوضى شهدها لبنان منذ أن انطلقت الشرارة الأولى للانتفاضة الاجتماعية قبل ثلاث سنوات تحت وطأة تدحرج الانهيار المالي والاقتصادي وبداية احتضار الدولة في ظل العهد العوني “الخالد” خلود الإنجازات الوهمية التي يطالعنا بها يومياً مع سائر جوقة أهل الردح الشعبوي من حاشيته. هذه الفورة الغاضبة التي فجّرت غضب مجموعات الناس في دير عمار وطرابلس وعكار وزحلة وأنحاء أخرى عديدة من لبنان في ليل بدء المهلة الدستورية، وهذه الهجمات على معامل الكهرباء، وهذه الالتحامات والاشتباكات بين الناس والجيش وقوى الأمن… هذه التداعيات الموغلة في الخطورة لـ”صفر كهرباء” لا يراها أولئك الذين يقيمون على كهرباء مسخّرة لهم أربعاً وعشرين ساعة على أربع وعشرين بطبيعة الحال. هؤلاء غشيت أبصارهم الحسابات السياسية السقيمة تماماً كما حصل في الأعوام الستة إلا ستين يوماً المنصرمة فنالنا في ظل سلطتهم هوان تاريخي جعل لبنان يحتل مرتبة البلد الذي شهد أسوأ انهيار في العالم خلال قرنين.

كيف تراهم سيدركون الآن، هم سكّان كهف السلطة كما سكّان كهوف القيادات والزعامات المنخرطين في مهرجان الغشّ والبحث عن المكاسب في بيادر التعتير الشعبي الآخذ بالتفاقم … كيف تراهم سيدركون أن تفلّت الغضب آتٍ مضاعفاً ومتفاقماً وقاسياً وخطيراً بما لا يخطر ببال هؤلاء جميعاً؟ إذا ظنّ بعضهم أن الكلام وحده ضدّ العهد الآفل يكفي الناس شرّ إحراق الشوارع فهؤلاء سيشكلون الوجه الآخر للسلطة بلا زيادة أو نقصان. البلد، لبنان، مقبل على حريق لا يتصوّره هؤلاء الخانعون أو اللاهون أو الفاشلون أو المتواطئون لأنهم يقيمون على مفاهيم تحتقر كل احتجاج في العمق ولأن الأنماط الديموقراطية المزعومة التي أقامت سلطاتهم وزعاماتهم كانت من عصر آفل وهم لا يزالون يظنّون أن اللبنانيين هم أكثر الشعوب تكيّفاً مع الأزمات والمآسي. يصحّ هذا الى حدّ بعيد في تجارب عبرت ومرّت ولكن البادئ الآن، مع تفاقم خيالي لأزمات فقدان أقل المعايير البديهية لحياة الناس بدءاً بالعتمة الأبدية الأزلية على يد العهد وتيّاره فيما وزراء أشاوس منه يحرّرون فلسطين برمي الحجارة في أسوأ الهزليات التي مسخت حزباً “حاكماً” أو جهة سياسية، هذا الذي بدأ الآن في اشتعالات أهلية من شأنه أن يشعل الإشارة الحمراء القانية الى أن المهلة الدستورية وكل المهل اللاحقة باتت قيد الإحراق تماماً كما حرائق أيلول وتشرين المصحرين. لعلكم لا تصدّقون ولعلكم تأخذون بتطمينات أهل السلطة… هكذا انهار لبنان على أيدي المطمئنين!

نبيل بومنصف – النهار