لبنان يتلقى صفعة بالتقارير عن سوريا

في اثناء مناقشة مجلس الامن الوضع في سوريا قبل يومين ، تَخوّف تقرير جديد للأمم المتحدة من تفجر الأوضاع على نطاق واسع والعودة إلى المستويات السابقة من الحرب في سوريا، بينما أقرت نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا نجاة رشدي ورئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة، التابعة للأمم المتحدة، باولو سيرجيو بينييرو، بان سوريا قد تتجه الى العنف وقال الاخير ان السوريين “يواجهون صعوبات متزايدة لا تطاق، ويعيشون بين أنقاض هذا الصراع الطويل ” معتبرا ان سوريا لا تستطيع تحمل العودة إلى القتال على نطاق أوسع، لكن هذا هو ما قد تكون في طريقها إليها. وقال:” كان لدينا اعتقاد في وقت ما أن الحرب انتهت تماماً في سوريا” لكن الانتهاكات الموثقة في التقرير تثبت عكس ذلك.وهذا موقف بالغ السلبية للبنان الذي يسعى من اجل تسويق منطق مناقض من خلال الامان التي باتت عليه سوريا ما يفترض عودة اكبر عدد من اللاجئين اليها بحيث يظهر بوضوح عجزه عن اقناع المجتمع الدولي بمنطقه او مبرراته . وقال ” أن المطلوب قبل عودة اللاجئين وكذلك النازحين داخلياً، هو تهيئة الظروف لتكون آمنة وطوعية وكريمة وفق مبدأ القانون الدولي، ومبدأ عدم الإعادة القسرية”، مؤكداً أن الاتحاد الأوروبي “سيدعم عمليات العودة التي تيسّرها الأمم المتحدة في الوقت المناسب”، و”فور توفرِ الظروف لذلك “.

وفي الوقت نفسه طالبت منظمات حقوقية دولية كمنظمة “العفو الدولية” و”هيومن رايتس ووتش”، الأمم المتحدة بـ”وقف البرامج التي يمكن أن تحفّز العودة المبكرة وغير الآمنة للاجئين السوريين عبر الأمم المتحدة ووكالاتها”، معتبرةً أن سوريا “غير آمنة للعودة”.

فكل المنطق اللبناني القائم على ان هناك مناطق سورية غدت امنة اكثر فاكثر هوى تحت وطأة هذه المواقف الدولية . ومن سوء حظ لبنان ان تصدر مجموع هذه المواقف قبيل الموقف الذي يعتزم اطلاقه من الجمعية العمومية للامم المتحدة فيما انه سيلقى اذانا صماء دوليا على صعيد هذا الملف علما ان توقيت هذه المواقف لا يعني اطلاقا ان المجتمع الدولي كان في وارد اخذ الشكوى اللبنانية في الاعتبار. فاهل السلطة باجمعهم يدركون الموقف الدولي المبلغ اليهم لكن حماسة الاندفاع الى اثارة هذا الموضوع اخيرا لا يتصل بمدى العبء الذي يشكله اللاجئون السوريون على لبنان واقتصاده وغالبية المستويات الحياتية ، بل بمدى الشعبوية والتوظيف السياسي لهذا الملف في هذا التوقيت ايضا . فموضوع اللاجئين الذي كان لافتا انضمام رئاسة الحكومة ( السنية ) الى ملف يعتبره رئيس الجمهورية وفريقه ميدانه الخاص علما ان كل الاطراف المسيحية تقف الموقف نفسه ، قضية محقة للبنان من دون ادنى شك لكن الدفاع عنها كانت منذ البداية في ايدي محام فاشل هو السلطة التي حافظت على توظيفها هذه القضية لحسابات سياسية وشعبية اكثر من الارادة في ايجاد حلول له كانت ممكنة منذ بدء لبنان استقبال اللاجئين حين رفض السلطة زمن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الثانية في 2011 اقامة مخيمات لهم قرب الحدود كما فعلت الاردن وتركيا ، ولاحقا حين تقاعس عن اتخاذ الاجراءات القانونية التي تعود لكل دولة بتنظيم عملية الدخول ولا سيما بعد انتهاء العمليات العسكرية في سوريا . فحين هدد رئيس الحكومة باتخاذ اجراءات قانونية على الحدود بدا الامر مثيرا للاستغراب في ظل اعتقاد بان هناك الحد الادنى منها في الوقت الذي امنت بريطانيا في شكل خاص ابراجا على الحدود للجيش اللبناني من اجل منع التهريب والعبور غير الشرعي ولم يتوافر يوما القرار السياسي من اجل تنظيم ذلك في ظل عجز ومسايرة من اهل السلطة للسماح للسوريين العبور السهل من اجل العمل والحصول على العملة الصعبة للعودة بها الى سوريا بحيث تدعم النظام . فالمشكلة الاساسية في البلد عدم توحيد المواقف والرؤية حتى على ملف مماثل لملف اللاجئين في ظل استئثار فريق الحكم علما ان موقفا موحدا كان يمكن ان يوجه رسالة اهم واكبر الى الخارج كما يضغط على النظام السوري بالحد الادنى بما يدين به ل” حزب الله” حليفه من ابقائه في السلطة اقله حتى تدخل روسيا في 2015 من اجل تأمين اعادة قسم من اللاجئين الموالين له او ضبط الحدود على الاقل لمنع انتقال المزيد الى لبنان . وذلك علما ان كلمة السر الفعلية من عجز لبنان عن اعادة اللاجئين او اقناع النظام الصديق للعهد به بما قاله وزير الخارجية عبد الله بو حبيب بتساؤله قبل شهر تقريبا اذا كان النظام ” يمكن ان يطلب من السوريين العودة اذا كانوا يرفدونه بالعملة الصعبة” . فيما ان الغالبية من المراقبين تعتبر ان النظام لن يعيد الغالبية من الطائفة السنية فيما يستخدم ورقة اللاجئين من اجل المساومة عليهم لاحقا مع الدول الغربية والعربية كذلك .

وثمة توقعات خطيرة لمستقبل لبنان في حال بقي السوريون في لبنان لسنوات اضافية لا سيما في ظل زيادة كبيرة في الولادات السورية ازاء تضاؤل الولادات اللبنانية بنسبة ٦ للسوريين مقابل ولادة لبنانية واحدة ، بالاضافة الى هجرة الشباب اللبناني تحت وطأة الانهيار الذي تمعن فيه السلطة وعدم اعطائها اي لمحة محتملة حول المدة التي ستنتهي فيها من دفع البلد الى الانهيار وتفكيك مؤسساته. وهو امر يناقض في واقع الحال عدم وجود استراتيجية لدى السلطة تعمل على اساسها في اتجاهات عدة للتخفيف عن لبنان تماما كسائر الاداء العشوائي على كل الصعد اللهم، باستثناء تحقيق الاهداف الشخصية والسياسية في السلطة للافرقاء المشاركين فيها .

 

روزانا بومنصف – النهار