شروط عون “الباسيلية” تأخذ البلد إلى الفراغ

أكثر من مؤشر عما يمكن أن يحدث بعد انتهاء ولاية العهد، أوحى به رئيس الجمهورية ميشال عون خلال الفترة الأخيرة. تحدث عن “اليوم الطبيعي” وعن صلاحيات الرئاسة بطريقة تشير إلى أن لديه أوراقاً يمكن أن يستخدمها في مواجهة الجميع ما لم يضمن دوراً أساسياً للتيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل. يطرح انتخاب الرئيس الجديد قبل أقل من شهر ونصف الشهر على انتهاء ولاية عون تساؤلات كثيرة عما سيقرره عند مغادرة القصر، ما لم تشهد المرحلة الفاصلة عن انتهاء الولاية معارك كبرى وأزمات مستعصية. في الاجواء إن ميشال عون لن يسلم الرئاسة إلا لرئيس جديد، وهو أمر غير متيسر بسبب الانقسامات وغياب الاتفاقات، أو أن تكون هناك حكومة جديدة تحظى بالثقة من مجلس النواب هي غير حكومة تصريف الاعمال التي يرفض عون تسليمها صلاحياته في حال الفراغ، وبالتالي تحضر سيناريوات كثيرة بعد انتهاء العهد، مع الفراغ الرئاسي.

التركيز على تشكيل حكومة جديدة، يدل على أن الفراغ قد يكون أمراً واقعاً بعد انتهاء الولاية، في ظل إنقسام سياسي حاد وانهيار اقتصادي ومالي وفوضى اجتماعية واحتمالات خراب دستوري، حيث بدأت تُطرح تساؤلات عما سيكون عليه الوضع مطلع تشرين الثاني المقبل وما إذا كانت الأزمة ستتكرر، وإن في شكل مختلف عن عام 1988 عندما ترأس ميشال عون حكومة عسكرية في قصر بعبدا.

المحاولات الاخيرة للتشكيل بعد لقاء الرئيسين عون ونجيب ميقاتي لم تصل إلى مرحلة الاتفاق، فيما الأنظار ستتجه إلى اللقاء المقبل بين الرئيسين بعد عودة ميقاتي من الخارج والاتصالات والضغوط المحلية والخارجية حول التشكيل، فالبحث في الحكومة قد يكون وفق مصدر سياسي مطلع، محاولة أخيرة قبل أن يدخل البلد في ربع الساعة الفاصل عن موعد الاستحقاق ومنه يتجه نحو مسارات خطرة جداً. وحتى الآن لا يبدو امكان التاليف مؤكداً بسبب شروط عون وأولها إضافة ستة وزراء إلى الحكومة أو التعويض عن ذلك بما يمكّن تياره من أن يكون المقرر و”المعطل” في آن معاً، فضلاً عما يعتبره صلاحيات دستورية تجيز له اتخاذ قرارات عند انتهاء الولاية.

في التفاوض حول التشكيل يصر عون على إضافة ستة وزراء سياسيين، كون الحكومة ستتسلم صلاحيات الرئاسة ما لم يجر انتخاب رئيس جديد، فيما اقترح ميقاتي بعد ضغوط مورست عليه، وفق المصدر، تغيير 3 وزراء وهو ما رفضه رئيس الجمهورية، ليعود إلى مطلبه الاول أي تغيير وزيرين. وما لم تُحل هذه المسألة سيبقى التشكيل معطلاً.

ينطلق عون من وجهة نظر تقول إن تسليم الصلاحيات للحكومة يعني تسليمها القرار السياسي، وهو ما يوجب توزيع المهمات على وزراء سياسيين لمواجهة الأزمة والفراغ. لكن وجهة عون الحقيقية تتضح في سياق آخر، فمعركته الرئيسية هي لحماية جبران باسيل واستمراريته السياسية بعد انتهاء العهد خصوصاً وأن التيار العوني يشهد تفككاً على مختلف المستويات. والمعركة قد تكون بتوفير أجواء لباسيل من تأدية دور سياسي خارج المؤسسات، لكن فرض الانهيار للوصول إلى تركيب صيغة جديدة مسالة خطرة خصوصاً إذا اقترب الحل الدولي للمسالة اللبنانية في إعادة التركيب بموازين القوى القائمة ضمن الفوضى.

يعرف عون أن اقتراحه للحكومة يُواجه برفض من مختلف القوى في النظام. رئيس مجلس النواب نبيه بري أول الرافضين لإضافة ستة وزراء، وتشكيل حكومة من 30 وزيراً، فالبلد لا يمكن ان يكرر تجربة حكومة تمام سلام بين 2014 و2016، فيما يضغط “حزب الله” لتشكيل منعاً للوصول إلى لحظة الفراغ وعدم اعتراف المسيحيين بحكومة تصريف الأعمال، وهو لا يريد للتيار العوني أن يخسر نهائياً بعد خروج عون من القصر بلا مكاسب سياسية. تمسك عون بشروطه وضعه وحيداً مع باسيل في مواجهة كل القوى السياسية، وهو اليوم لا يحظى بتأييد لبناني ومسيحي باستثناء تحالفه مع “حزب الله” الذي لم يقطع شعرة علاقاته معه نظراً للتغطية التي أمنها عون للحزب خلال السنوات الماضية.

وبينما يؤكد “حزب الله” على لسان أمينه العام حسن نصرالله ضرورة تشكيل الحكومة وتجنب الفراغ الرئاسي عبر الاتفاق حول اسم الرئيس، يتحرك وفق حسابات إقليمية، فهو لا يتبنى حتى الآن اي مرشح رئاسي، لكنه لا يستطيع في المقابل أن يُغطي قرارات رئيس الجمهورية ميشال عون في حال بقائه في قصر بعبدا، وإن كان لا يريد القطع مع حليفه المسيحي، لكنه يسعى إلى أن يكون لاعباً أساسياً في البحث عن أي تسوية، إن كان بعد الفوضى أو في حال التوافق على انتخاب الرئيس. وهو يُدرك أن متغيّرات ستحصل في الفترة المقبلة، إذ أن خروج عون من بعبدا بلا مكاسب سيؤدي إلى ضعف كبير في التيار الوطني الحر وبالتالي سيخسر تغطيته، ولذا فإنه يريد للعونيين أن يبقوا في موقع قوة حالياً. ترتفع الشروط العونية لتشكيل الحكومة وأيضاً في مواصفات الرئيس وتسير بالبلد نحو الفراغ، للتمكّن من الاستمرار سياسياً وفي البيئة المسيحية والتأثير في القرار.

إذا لم تتشكل حكومة وفق ما يرتضيه العونيون، فإن الفراغ قد يطيح بموقع الرئاسة ويعزل قوة وتأثير جبران باسيل، لذا قد يلجأ عون إلى قرارات نذهب معها إلى فوضى دستورية. المخاوف وفق السيناريوات المطروحة، ترتكز وفق المصدر السياسي على احتمال بقاء الرئيس يمارس السلطة عبر حكومة يشكلها في مقابل حكومة تصريف الاعمال الحالية. وإذا لجأ عون إلى خيارات غير دستورية سيضع القوى المسيحية الأخرى في موقع حرج، وقد يؤدي إلى الصدام معها إذا قرر التصعيد في الشارع بالطريقة التي حدثت بين عامي 1988 و 1990، أي محاولة إعادة النبض العوني في البيئة المسيحية، في مواجهة كل المكوّنات اللبنانية الاخرى. واللعب على الصلاحيات، قد يؤدي إلى انقسام البلد بين حكومتين ويفاقم حالة الانهيار والفوضى في المؤسسات. هذه السيناريوات مرتبطة بـ”الفراغ”، في غياب مبادرات إقليمية ودولية للتسوية، وهذا يطرح تساؤلات عما إذا كانت أطراف لبنانية أو أقله القوى المتحكمة بمصير البلد تدفع الامور إلى الفوضى للتمكن لاحقاً في حال توافر قرار خارجي بالحل من البحث في صيغة جديدة لنظام يعكس موازين القوى السائدة، ويبدو أن الطرف الاقوى اليوم في أي تسوية مقبلة هو “حزب الله”.

 

ابراهيم حيدر – النهار