حكومة جديدة تجدّد صيغة التبعية

حسناً فعل رئيس الجمهورية ميشال عون
بالامتناع عن السفر الى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وحسناً فعل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالتوجه (على نفقته الخاصة) الى نيويورك لتمثيل لبنان في الجمعية العامة وإلقاء كلمة لبنان في هذا المحفل الدولي الأهم. الرئيس عون لم يعد مؤهّلاً لتمثيل بلاده في محافل دولية يعرف هو انه سيتم تجاهل وجوده فيها الى حد بعيد، بحيث إنه سيقبع في غرفة الفندق وحيداً فيما يتوزع أفراد البطانة والعائلة على المحال التجارية في مانهاتن. لكن صهره سيعود الى سلوكه المعتاد بائعاً للمواقف هنا وهناك، وساعياً لالتقاط الصور مع ما أمكن من قادة أو وزراء خارجية عرب وأجانب. في حالة الرئيس ميقاتي المسألة مختلفة، فالكلمة التي سيلقيها مع احترامنا لشخصه الكريم غير ذات أهمية. المهم اللقاءات الجانبية، ولا سيما مع أعضاء في إدارة الرئيس الأميركي جو بادين، مسؤولين في كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إضافة الى راعيه الدولي الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وبعض القادة ورؤساء الحكومات ووزراء الخارجية العرب الذين يمثل الاجتماع بهم إضافة. حالة الرئيس ميقاتي مختلفة أيضاً لأنه متى عاد، ووفق المؤشرات التي يجري الترويج لها، سيكون على موعد مع تشكيل الحكومة العتيدة التي حقق راعي الجميع هنا في لبنان أي “حزب الله” اختراقاً في جدار التعطيل، وبسحر ساحر اقتنع الجميع بأنه حان الوقت لتشكيل الحكومة. الرئيس عون الذي كان يفضّل التمرّد، وإدخال البلاد في محنة شبيهة بتمرد ١٩٨٩ اقتنع، والرئيس بري المتمسّك بإخراج عون من دون مكاسب اصطفّ خلف “حزب الله”، والرئيس نجيب ميقاتي الذي قيل إنه كان ينتظر الأيام الأخيرة من العهد ليشكل حكومة يقبل بها عون لم يخرج عن قرار “حزب الله”. الآخرون في “نادي” الطاقم الحاكم آثروا السلامة وما عرقلوا. إذن، إن لم يحصل ما يطيّر التفاهم الذي يبدو أنه تم في الأيام القليلة الماضية، فإن لبنان ستكون له حكومة جديدة بحلول الأسبوع المقبل. لكن كما هي الحال في بلاد الأرز، لا ضمانة للاتفاقات التي تُعقد. فاللبناني “ينام على خبر ويستفيق عل خبر آخر”. وما تم الاتفاق عليه قبل توجّه ميقاتي الى نيويورك يمكن أن يتغير عند عودته، من هنا وجب الحذر الدائم. لكن يبدو أن الطرف المسيطر في لبنان يريد الحكومة. ولذا لن يخرج أحد من “الشركاء” عن المسار الذي حدده الحزب المذكور. كلهم ذاهبون الى حكومة تعيد إنتاج صيغة ما قبل الانتخابات النيابية الأخيرة. فتكون حكومة الشغور الرئاسي طبعة منقّحة عن الحكومات السابقة التي وُسمت بالتبعية لـ”حزب الله” بشكل شبه كامل إن لم يكن كاملاً، ووفق الصيغة التي نشير إليها سيعيد “حزب الله” المتمسك بتحكمه التام بالبلاد إنتاج سلطة تنفيذية لا تخرج عن طاعته. سيُمكن للحكومة الجديدة أن تتفاوض مع الجهات المالية الدولية لكنها لن تتخذ قراراً بالمعنى الحقيقي إلا بعد إذن “المرجعية”. أما موضوع الرئاسة الأولى فإن لم يتم انتخاب الرئيس قبل نهاية ولاية عون، فإن الشغور يمكن أن يطول كثيراً ولا سيما إن تعقدت الصورة في الإقليم، وعلى الصعيد الدولي. وفي الانتظار يبقي “حزب الله” على قبضته الحديدية عبر حكومة جديدة تمتلك شرعية لا غبار عليها، وينتظر أن يحين وقت الإتيان برئيس يناسب مشروعه. بمعنى أن يأتي برئيس يتعايش مع الأمر الواقع دون زيادة.

 

علي حمادة – النهار