حان الوقت لقلب الصفحة السوداء

يشكل حزن جميع البريطانيين الكبير على غياب الملكة الراحلة إليزابيت الثانية مناسبة لدعوة الطاقم الحاكم اللبناني بدءاً برئيس الجمهورية، الى التأمّل في مسيرتهم السياسية والوطنية، وكيف سيكون رد فعل المواطن اللبناني عند غيابهم. وإلى التأمّل لا بدّ من الدعوة الى الاقتناع بأنهم جميعهم عابرو سبيل ليس أكثر. نقول هذا مع قرب انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، وتزايد المؤشرات التي تفيد أنه لن يخرج من قصر بعبدا الرئاسي بسلاسة. بل بالأحرى إن بطانته تجهّز لإشعال أزمة بنهاية الولاية الرئاسية، بالرغم من أن جميع المؤشرات تدل على أن وريث عون لن يخلفه في المنصب، ولن يكون خروج عون مدعاة حزن الرأي العام على انتهاء اسوأ ولاية رئاسية في تاريخ هذا الكيان منذ مئة عام. بل نزعم أن معظم اللبنانيين ينتظرون بفارغ الصبر نهاية ولاية الرئيس الحالي ليس لأنهم يعتبرون أن الأخير هو المسؤول حصراً عمّا آلت إليه أوضاعهم، بل لأنه يمثل رمزاً لقيادة فاشلة، مضللة، مفتنة، مستتبعة وعديمة المسؤولية والكفاءة. طبعاً عون هو واجهة الطاقم الحاكم الذي دمّر البلاد فوق رؤوس اللبنانيين. وأملنا أن يأتي يوم يتحرّر فيه اللبنانيون من هذا الواقع المرير. لكن الأهم الآن هو إنهاء ولاية الرئيس عون بأقل الأضرار الممكنة. أملنا أن يُمنع الأخير من جرّ البلاد الى متاهات “الاجتهادات” الدستورية التي تُطبخ في غرف البطانة السوداء. أملنا أن تُضبط مضارّ تلك البطانة التي لا تأبه بما يعانيه الشعب، وتجهد لجرّ لبنان في زمن الفاقة الى مواجهات “سفسطائية” تحت عنوان حماية الحقوق، فيما جلّ ما يريده أصحاب الحقوق الأصليون هو أن يتأكدوا من مغادرة ميشال عون ومن معه قصر بعبدا الى غير رجعة.

من المهم بمكان ألّا نضيّع البوصلة. فعون على كل مساوئه هو في النهاية واجهة. إنه واجهة تسليم البلاد لحكم الميليشيا نفسها. عون هو الاختراق الكبير الذي تسبّبت به قلة إدراك بعض القوى السياسية التي كنّا نحسبها أكثر وعياً، فشرعت أمامه أبواب الموقع الدستوري الأول، لكي يعود هو ويضعه في حجم مشروع تذويب لبنان ضمن محور تقوده إيران. هذه القوى ارتكبت خطيئة كبرى. لم تدرك أن التاريخ سوف يعيد نفسه بشكل أكثر دراماتيكية، فوقع لبنان واللبنانيون في الهاوية.

من المهم بمكان أن تدار معركة إخراج عون ومن معه من بعبدا بكفاءة سياسية، فلا نصبح أمام خيارات أفضلها سيّئ. بمعنى أننا في سياق قطع الطريق على التمديد أو التوريث، قد نقع في فخ اختيار أكثر سوءاً. ما نقصده أن قطع الطريق على التمديد والتوريث، يجب أن يشمل قطع الطريق على أيّ مرشّح لـ”حزب الله”. فالمشكلة الأساس تتجاوز الموقع الرئاسي لكون منبعها هو هيمنة السلاح غير الشرعي على مقدّرات البلد تارة بقوى متواطئة، وأخرى مستسلمة. من هنا ضرورة تعيين مواصفات رئاسية مشتركة لجميع القوى التغييرية والسيادية يكون بندها الأول تحرّر الرئيس المقبل من أيّ تبعية لـ”حزب الله”. نحن لا نقول إن الرئيس الجديد يجب أن يكون صدامياً الى حدّ الانجرار الى مواجهة أهلية، بل نقول إن زمن التبعية الحالي يجب أن ينتهي، وأن تستعيد الرئاسة الأولى حرّيتها، ودورها السيادي، وأثرها الجامع ضمن احترام الدستور والقانون، ومساواة جميع اللبنانيين أمامهما. سؤالنا: ألم يحن الوقت بعد لقلب تلك الصفحة السوداء؟

 

 

علي حمادة – النهار