كل ما يقال عن تباين أو اختلاف في وجهات النظر بين صاحِبَيْ توقيع تفاهم «مار مخايل» محض هراء. التحالف كما يترجم اليوم أقوى بحيثياته من أي وقت مضى.
أما المواقف الشعبوية والتعطيلية التي يُلوح بها العهد القوي، سواء على لسان رئيس الجمهورية ميشال عون، أو على لسان رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل فهي لا تخرج عن سياق البنود غير المقروءة من هذا التفاهم، بل هي حلقة من حلقاته سيصار إلى استثمار مفاعيلها وتداعياتها عندما يحين أوانها.
وليس أدل على ذلك من موقف وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب، قبل أيام، خلال الدورة العادية الـ 158 لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري، الذي أعاد التأكيد على «موقف لبنان على ضرورة وأهمية أن تستعيدَ سوريا مقعدها في جامعة الدول العربية، وهي دولة مؤسسة فيها».
ويأتي هذا الموقف مناقضاً لما أبلغه وزير الخارجية السوري فيصل المقداد قبل أيام لنظيره الجزائري رمتان العمامرة عن «عدم رغبة بلاده في إثارة موضوع استئناف دمشق لعضوية جامعة الدول العربية، خلال القمة العربية المقبلة، من أجل الإسهام في توحيد الكلمة والصف العربي في البلاد بمواجهة التحديات التي يفرضها الوضع الراهن على الصعيدين الإقليمي والدولي».
بالتالي، يبدو واضحاً أن وظيفة الخارجية اللبنانية، بموجب الالتزام باستراتيجية المحور الإيراني، لعب دور محامي الشيطان مقابل تلميع صورة النظام الأسدي المتعفف عن المطالب والمتعالي على الاجماع العربي.
أما الحدث الثاني فيتمحور حول اقتراح أوحى به فريق «العهد» وتياره «الوطني الحر» إلى وزارة الخارجية لتعمل على تخليص «حزب الله» من عبء القرارات الدولية قبل انتهاء الولاية العونية. وذلك في محاولة تهريب السلطات اللبنانية العليا نصاً لقرار التمديد لـ»اليونيفيل»، عن محاولة «شطب الفقرة التي تشير إلى مرجعية القرارين 1559 (سنة 2004) و1680 (2006) ويتناول السلاح غير الشرعي وتحديد الحدود مع سوريا، اللذين تنص عليهما القرارات والبيانات الدولية الصادرة حول لبنان، حسبما أفاد تقرير دبلوماسي غربي ورد إلى بيروت».
وكأن المطلوب من خلال هذا الاجتهاد، هو استكمال أهداف إيصال عون إلى كرسي بعبدا، بغية إزالة العوائق التي تفرمل مسيرة الإطباق على الدولة، حتى تبلغ نسبة الاستتباع مستواها الأعلى مع وضع «حزب الله»، يده على لبنان بالتدريج غير المريح.
أما عن نسف التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت من خلال تبرع وزير العدل هنري خوري بتعيين قاضٍ رديف، فهو قمة الالتزام بالتفاهم. وليس صحيحاً أن الهدف العوني منه الإفراج عن مدير عام الجمارك بدري ضاهر، وإن كان مثل هذا «الإنجاز» تحصيلاً حاصلاً على البيعة، لكن يبقى أن الهدف الأساسي هو اغتيال الملف وقطع دابره حتى لا يصل المحقق العدلي القاضي طارق البيطار إلى حيث يجب أن يصل، ويورط من يجب أن يتورط، لأن أدلة الجريمة أكثر من بينة، وفق التحليل المتعلق بفتوى قبعه، لتصبح ثانوية التفاصيل التافهة حول وزير من هنا ومدير من هناك وضابط رفيع أو قاضٍ أرفع.
فاستخدام كل الوسائل غير القانونية وغير الدستورية وغير القضائية، مبررة أن هناك من يخاف من حقيقة تخصه قضائياً بالأدلة والقرائن التي يريد أن يخفيها… وتحديداً بعدما تبين أن القاضي لم يفهم بالتهديد المباشر، لذا كان لا بد للولاء العوني من الاستنفار والإتيان بقاضٍ مطواع يطوي الملف.
فالرديف القضائي هنا هو لمنع إدانة المرتكب الأصيل وليس الاكتفاء بإدانة من سهَّل وطنَّش.
بالتالي، كل ما شهدناه وسوف نشهده سيبقى غيضاً من فيض ما أتحفنا وسوف يتحفنا به الولاء العوني لتفاهم «مار مخايل»… فهذا التفاهم هو قدس الأقداس.
لذا لا بعده ولا قبله ما دام يطبق البنود غير المقروءة والطارئة.
والأهم أن هذا الولاء يفترض أن يؤمن مستقبل الصهر العزيز…
سناء الجاك – نداء الوطن