تدخل البلاد اليوم في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. حتى الآن لم يدعُ رئيس مجلس النواب نبيه بري الى جلسة لانتخاب رئيس جديد. هذا خطأ كبير ويجب ان يسارع بري الى الدعوة فورا. وبصرف النظر عن عدم تكوّن مناخ انتخابي يتيح إيصال رئيس جديد بسرعة الى قصر بعبدا، فإن الدعوة من اليوم الأول واجبة، ولا ينبغي الانتظار، بل ان على المرشحين الجديين ان يكشفوا عن نواياهم. كما ان الكتل المكوِّنة لغالبية مقاعد مجلس النواب يفترض فيها ان تبادر الى تسمية مرشحها لكي يعرف اللبنانيون من ينزل الى ساحة المنافسة. طبعا نحن نعرف مَن هم مرشحو “حزب الله”، لكننا لا نعرف كيف ستتبلور عملية طرح مرشح يمثل الكتل غير المنضوية في فريق “8 آذار” بقيادة “حزب الله”. ومن الضرورة بمكان ان تعمل مَن تسمى “قوى تغييرية” و”قوى سيادية” بجدية لترجمة نتائج الانتخابات النيابية التي انتهت بفقدان “حزب الله” الغالبية التي كان يسيطرعليها منذ انتخابات 2018. لغاية الآن، وفيما اصبح الاستحقاق الرئاسي أولوية الأولويات، لم نلمس أي قدرة للقوى التي لا تنضوي تحت عباءة الحزب المشار اليه آنفاً، على ترجمة نتائج انتخابات 2022. لقد فشل الجميع في إدارة استحقاق انتخاب رئيس مجلس النواب بطريقة تبعث برسالة قوية لمن يمسك بسلاح غير شرعي، ويتصرف على قاعدة تعليب الحياة السياسية وفقا لمصالحه وطموحات مشروعه الخطر. من هنا نجح الحزب إياه في استثمار تشتت الآخرين، وقلة حيلتهم حيث لم يؤدِّ فقدانه الأكثرية في الانتخابات الى انكفائه عن محاولة إعادة انتاج تسوية رئاسية شبيهة بتسوية 2016 المشؤومة. والحال ان الرهان على تعقّل “حزب الله” أو تواضعه ليس في مكانه. فبعد ست سنوات من إحكام سيطرته على الرئاسات الثلاث، ومؤسسات الدولة، وقرارها السيادي والوطني، ليس هناك ما يشير الى ان عقلية الهيمنة قد تراجعت، بل ان مراقبة سوء تدبير القوى التغييرية والسيادية لمرحلة ما بعد الانتخابات النيابية تشجع الطرف المهيمن على الذهاب أبعد. بمعنى آخر، لن يقدّم “حزب الله” تنازلات الى أفرقاء يعانون من حالة الضياع الراهنة. لذلك قد يمضي الحزب المذكور قدماً في سعيه لانتاج تسوية رئاسية توصل مرشحا تابعا له. وما لم يتكون فريق نيابي عابر للبيئات والأحزاب لمواجهة مرشح الهيمنة السائدة، سيكون من المستحيل انتزاع موقع الرئاسة الأولى من خلال إيصال مرشح توافقي مدعوم من التغييريين والسياديين. هذا هو المسار الوحيد الذي يجب ان يحضر في ساحة المواجهة مع “حزب الله” ومرشحيه.
ان المزاج الشعبي الغالب في لبنان لا يصب في مصلحة انتاج تسوية شبيهة بتسوية 2016. وحدها البيئة الحاضنة للحزب المذكور تسير راضية بما تختاره مرجعيتها. أما باقي البيئات فتقف في المقلب الآخر. لكن نقطة الضعف الأساسية تتمثل بفشل النواب غير المنضوين تحت قيادة “حزب الله” في خلق مناخ مختلف بما يبعث برسالة مزدوجة الى “الحزب”، الأولى هي التوق الى التغيير ومعاقبة من نهبوا البلاد، واساؤوا إدارة البلاد، والثانية رفض هيمنة “حزب الله” وسطوته على القرار الوطني والسيادي. والسؤال: لماذا يتم التعامل مع الاستحقاق الرئاسي بخفة وأنانية مفرطتين؟
علي حمادة – النهار