“المسار” السباق… إجرام وفقر!

لا ندري ما هي الخطط العملانية الطارئة التي وُضعت أو ستوضع أو ربما يكون بدأ تنفيذها، هذا إلا اذا كانت الطامة الكبرى ان كل ما سبق ليس وارداً بعد لدى “المعنيين”، للانقضاض الفوري المضاد على مؤشرات تفلّت أمني مجنون بدأت معالمه تزحف الى البلاد بمنتهى الخطورة. ولأنها دوماً “الضحية المشتهاة” عند أبواب فصول الاستباحات الداخلية أو الخارجية، تعود طرابلس من البوابة الدامية والاجرامية المخيفة عنوان السباق اللعين بين استحقاقات لبنان التي تتزاحم دفعة واحدة عند مشارف نهاية هذا العهد الذي أوصل لبنان بنجاح تاريخي ساحق الى “مرتبة” البلد الذي ضربه أسوأ انهيار عرفه العالم منذ القرن التاسع عشر.

لا تترك الجريمة الجماعية المروعة التي حصلت أخيرا في طرابلس والجرائم الأخرى “الأقل” دموية والتي تتكاثر بوتيرة مقلقة للغاية في مختلف المناطق، أيّ إمكان للجدل في شأن انزلاق البلاد الى متاهة متقدمة للغاية في التفلت سواء كان المسبب والفتيل الأساسي يتصل بالأمن الاجتماعي في بلد افتقرت فيه نسبة لا تقلّ عن التسعين في المئة من مجموع اللبنانيين المقيمين، أو في تفشّي العصابات الاجرامية “المنظمة” أو العشوائية. وقد يكون المسبب الثالث الأخطر اطلاقا ان ظاهرة العصابات تختبئ وراء السرقات والاجرام المتفلت ستاراً لتوظيفات إرهابية أو سياسية وافدة أو محلية في التوقيت الأشد خطورة لبلد يتخبط في مرحلة انتقالية لا يعرف فيها مواطنه أي فجر يطلّ عليه وأي مساء يبلغه، وهل يمضي يومه الى اليوم التالي من دون صدمات الرعب والمعاناة التي تلازمه كما أحكام الإعدام.

باختصار، لا نجد في بلاغات التعبير ما يكفي للتحذير من مغبة الاستخفاف السياسي بهذا الجاري والمتصاعد الآن في “مسار” واحد أحد يتقدم بسرعة قياسية متخطياً المسارات “السلمية” المفترضة لانتخاب رئيس للجمهورية أو تشكيل عجائبي في اللحظة الحاسمة لحكومة جديدة أو لنجاح خارق في ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بما يكفل حقوق لبنان في التنقيب واستخراج ثرواته البحرية ويقيه شر الحرب مع إسرائيل …الى آخر سلاسل الاستحقاقات المترابطة و”الموقوتة” كأنها حقل الغام جاهز لانفجار آخر يدخلنا التاريخ بعد انفجار 4 آب وبعدما ملّ منا التاريخ لفرط ما استأثرنا به في السنوات الثلاث الأخيرة من عهدنا المحبوب.

بصراحة مطلقة: كيف للبنانيين ألّا يرتعبوا أمام جرائم جماعية أو فردية وسط تحلل السلطة والخشية المتعاظمة على أداء القوى الأمنية والعسكرية في ظل انفجار الازمات المالية والمصرفية والاجتماعية وانعدام أي أفق لاحتواء هذا الواقع ولجمه ومنع استفحاله؟ أم ترانا سنثق بسلطة تحلم بتحقيق ذروة قدراتها على ترهيب اللبنانيين بوعد الفوضى والانقلاب على الدستور ولا نسمع كلمة من هؤلاء الابطال الميامين في احتراف مجال الانهيار عن رعب الناس وخوفهم أمام عصابات القتل والاجرام والسرقة والاستباحة الاجتماعية بشتى اصنافها وانواعها؟ أم لعلَّنا سنأمل خيرا بوسط سياسي فقد كل المقاييس حتى الساعة امام اختبار العد العكسي للاستحقاق الرئاسي وها نحن ننتظر اليوم تلو الآخر لرؤية “اطار انقاذي عريض” لا نطلب ان ينصهر فيه أحد بأحد، بل جُلّ ما يطالب به الناس ان نكون في مستوى فرض رئيس سيادي إصلاحي من ذوي رتبة “رجل الدولة”؟

ما نخشاه هو ألّا يصدق كل هؤلاء ان العصابات الاجرامية كما أزمات الانهيار قد تكون سبّاقة بتداعيات جرائمها لاحداث عصر لن ندركه جميعا متى سقط لبنان بين مخالب الاجرام والفقر الأشد فتكاً من القتل.

 

نبيل بومنصف – النهار