الراعي يضعف موقف عون داخليّاً وإزاء الخارج

ليس معهودا عن الرئيس ميشال عون الاستماع الى رأي بكركي او الاخذ برأيها حين لا يناسبه او لا يصب في مصلحته وكان صدامه شهيرا مع الكنيسة المارونية لا سيما حين كان رئيسا للحكومة العسكرية واعتداء مناصريه على البطريرك الراحل نصرالله بطرس صفير رغبة منه في حصر سلطة الكنيسة بالدين واستئثاره هو بشخصه بموقع المرجعية السياسية الوحيدة للطوائف المسيحية والموارنة في شكل خاص . لكن وفيما ادلى البطريرك بشارة الراعي برأيه في موضوع السيناريوات التي يتم التداول بها لجهة اعلان عون عزمه على رفض تسلم حكومة تصريف الاعمال صلاحيات رئاسة الجمهورية من بعده، فان هذا الرأي كان قويا في تقديم النصيحة لرئيس الجمهورية بالخروج من بعبدا كما دخل اليه كما بعدم علاقته بحكومة ما بعد انتهاء ولايته . وحديث عون المتكرر عن اصراره على موقفه في هذا الاطار يشكل دليلا على ان عون يرد على البطريرك الماروني الذي كان اعلن موقفه يوم الاحد في حديث تلفزيوني وانه لا يستمع الى رأيه ولا يأخذه في الاعتبار . ويمكن ان يستمر رئيس الجمهورية وفريقه في المناورة من اجل محاولة تحصيل بعض المكاسب ليس في الحكومة التي يريدها سياسية فحسب بل في مطالب اخرى شهد الكلام على مرسوم جديد للتجنيس وتعيين محقق عدلي بديل من المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت بعض فصولها التي ستستمر وتتصاعد في المدة الفاصلة عن نهاية ولايته حماية لجماعته ومواقع نفوذ تياره بحيث يتم توقع طعونا ايضا من المجلس الدستوري بنيابة بعض النواب ضمانا لاعادة الاكثرية الى قوى 8 اذار او ما يقرب منها . ولكن كلام البطريرك انتزع من يده ورقة حصوله على دعم مسيحي محتمل باعتبار ان اعتراضه يصب في احراج الزعماء المسيحيين وبكركي معهم كما وفر ورقة قوية لكل الرافضين السير بمنطقه او الخضوع للتهويل الذي يمارسه . وهذا يخلق حالة عزل له باستثناء ربما من جانب ” حزب الله” فيما ان منطق الراعي يتناغم مع مواقف عواصم عدة ترى ان انتهاء ولاية عون يشكل بابا حتميا وضروريا لتغيير في الاداء السياسي وتاليا في التعاطي الخارجي مع لبنان مع رئيس جديد لا يشبهه ويرغب الخارج في اعطائه فرصة لاعادة وضع لبنان على خريطة المنطقة في الدرجة الاولى واستعادة علاقاته مع الدول العربية والخليجية تحديدا . والبعثات الديبلوماسية ستجد حكما في موقف البطريرك وعدم مساندته الاجتهاد الدستوري الذي بات يروج له رئيس الجمهورية مفتاحا اكيدا للاصطفاف ضد اي محاولات من جانبه تصب في خانة مخالفته الدستور حرصا على عدم حصول المزيد من الفوضى وانحلال المؤسسات الدستورية . وعلى هذا المستوى ليس رئيس الحكومة المكلف من يقول بذلك ولا رئيس مجلس النواب ولا ايضا الخبراء القانونيون والدستوريون بل هؤلاء جميعهم يتوجهم موقف البطريرك الذي اعلنه اخيرا ، ما يترك لرأي رئيس الجمهورية وفريقه فقط التفرد باجتهاد دستوري غير صحيح ومن ابتكاره وحده. ما يساهم جدا في اضعافه واضطراره على الارجح الى مراجعة شروطه من اجل تأليف الحكومة او اعادة الحكومة نفسها لتكون الحكومة الفاعلة مع ” فاصلة ” كما كان يطالب من اجل القبول باتفاق الطائف في العام 1990 . فالوزراء الستة الذين يطالب بهم لنفسه او لتياره يمكن ان يعترض عليهم 45 نائبا من المسيحيين الذين وصلوا الى الندوة النيابية وهم لا ينتمون الى كتلته لا بل يفترض ان يتمثلوا فيها لا سيما اذا كانت الحكومة لسنة او سنتين كما حصل في التعطيل قبل انتخابه . ولكن الاشكالية ان هؤلاء باتوا محرجين برفضهم المسبق المشاركة في الحكومة علما انهم يثيرون مسألة حقهم في الحكومة ويحضوا سواهم على المطالبة بهذا الحق . يقول البعض ان كلام البطريرك يؤدي الى ان لا الرئيس نجيب ميقاتي ملزم بالتجاوب مع شروط عون ولا كذلك رئيس مجلس النواب نبيه بري ما لم تكن هناك صفقات يتم تبادلها من اجل ان يرضى الجميع . فغالبا ما تكون هذه الصفقات هي المطلوبة من وراء تعظيم الشروط والمطالب وما يحصل راهنا هو مناورات قد تؤدي في نهاية الامر الى حكومة كما يريد عون لان للاخرين حساباتهم ومصالحهم كذلك حتى لو ساهم موقف البطريرك في تقوية مواقفهم علما ان تسجيل عون انتصارا برفض تسلم حكومة تصريف الاعمال ، فانما يكون ساهم في تعديل الدستور على نحو غير مباشر حتى لو كانت الخطوة ارضاء اخيرا له قبل مغادرته .وهذا خطير قياسا على ممارسة دستورية تميزت بتجاوزه للدستور ومحاولة تغييره بالممارسة لكي تصبح عرفا يمرره لخليفته ويضغط لاحقا هو او وريثه السياسي من اجل عدم التنازل عنه.

ولكن التداول بسيناريو ما بعد انتهاء ولاية عون والاجراءات التي يمكن ان يتخذها في ظل تكبير الحجر بالحديث عن ” مؤامرة ” تستهدفه كما قال ، فهناك من يعتبر ان رئيس الجمهورية يناور بقوة حتى الان اذ عليه ان يتحسب لاحتمال اولا قيام تظاهرات مناهضة له تطالبه بالرحيل ومغادرة القصر حتى لو قام مناصروه بتظاهرات مضادة ، وهو امر بالغ الاحراج لرجل بتاريخه يطالبه اللبنانيون بالرحيل . وثانيا لاحتمال مقاطعته الشاملة ديبلوماسيا وسياسيا وتجربة اميل لحود في ولايته الممددة قسرا من النظام السوري شاهدة على عزل واهمال كبيرين لموقع الرئاسة الاولى علما ان عون لن يعود يتمتع بهذه الصفة بعد انتهاء ولايته وهناك مناصرون له قد لا يتركونه وحيدا ولكن من تياره ليس الا . وهو يدرك ذلك ولكن في كباش المناورات غالبا ما سجل مكاسب ولا يخسر ان كرر الاسلوب نفسه في الشهرين الاخيرين من ولايته درءا لخسارة حتمية بمغادرته السلطة وفقدانها . فهذا كل ما يهم وليس معاناة الناس والجحيم الذي باتوا فيه .

 

روزانا بومنصف – النهار