الجيش “ينأى بنفسه” عن تنازلات الترسيم..

لم يقدّم الجيش أيّ رأي أو موقف أو توصية في ما يتعلّق بخطّ العوّامات الذي طُلب منه أن يُرسّم مساره وإحداثيّاته على خارطة الحدود البحرية مع إسرائيل. حتى إنّ ممثّل الجيش في اللجنة التقنية التي اجتمعت في بعبدا لتقييم العرض الأخير الذي قدّمه الوسيط الأميركي آموس هوكستين لم يدلِ بموقف يُوحي بمعارضة أو بموافقة على العرض الإسرائيلي.

 

الجيش لن يغطي التنازل

شكّل هذا النأي بالنفس موقفاً سياسياً بامتياز يُكرّس، بتأكيد مطّلعين، خروج الجيش نهائياً من ملعب مفاوضات الترسيم ويتمحور فحواه حول نقطتين أساسيّتين:

– الجيش الذي شكّل خطّ الدفاع الأوّل عن الخط 29 الذي يمنح لبنان مساحة 1,430 كلم مربّعاً إضافية على الحدود المتنازع عليها مع إسرائيل دافعاً باتجاه تعديل المرسوم، لا يمكن أن يعطي الموافقة على خطّ مفخّخ يقضم من حقّ لبنان في مياهه ويُشكّل وثيقة تنازل مسبقة في المفاوضات المقبلة حول الحدود البرّية، أو يمنح الغطاء لمنطقة أمنيّة خالصة لإسرائيل على حساب السيادة اللبنانية لأنّ خطّ الطفّافات يقع شمال الخط 23 وينقل نقطة رأس الناقورة شمالاً ويكرّس بداية الخط 1.

– تتقاطع المعطيات عند وجود توجّه إلى مزيد من التنازل من الجانب اللبناني ولا بدّ من وجود طرف يتحمّل عبء هذه المسؤولية التاريخية، ولا سيّما أنّ الوقت ضاغط ولا يحتمل ترف المناورات ورفع السقوف العالية.

في هذا السياق، لم يكن أمراً عاديّاً اعتراف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمام حلقة ضيّقة أنّه “غير ملمّ كثيراً بتفاصيل الملف التقنيّة، والملفّ بكامله لدى رئاسة الجمهورية”، فيما يدفع رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى وضع كلّ الملفّ مجدّداً على طاولة الناقورة.
عون يستعجل.. وإسرائيل أيضاً

رئيس الجمهورية هو الأكثر حاجة إلى إنجاز وتوقيع الاتفاق قبل مغادرته قصر بعبدا في 31 تشرين الأول. حزب الله في المقابل أعاد تثبيت معادلة الردع عبر خطاب أمينه العامّ السيّد حسن نصرالله يوم السبت الماضي: “لا استخراج من حقل كاريش قبل حصول لبنان على مطالبه المحقّة، وهذا شأن الدولة اللبنانية… عيننا وصواريخنا على كاريش، وإذا فُرِضت المواجهة لا مفرّ منها على الإطلاق”.

وفيما بات النقاش يتمحور حول المنطقة الأمنيّة بين خطّ الطفّافات والخط 23 التي تسعى إسرائيل إلى تكريس سيطرتها عليها “لأسباب أمنيّة وسياحية”، يرصد المراقبون الموقف اللبناني من هذا المطلب الطارئ على أجندة الترسيم في ضوء إعلان متكرّر من وزارة الطاقة الإسرائيلية لبدء الاستعدادات لضخّ الغاز من كاريش في شبكة الأنابيب الإسرائيلية تمهيداً لتزويد معامل الكهرباء على البرّ الإسرائيلي وتصدير الفائض باتجاه أوروبا. فمرحلة الاختبار النهائية قبل بدء إنتاج الغاز وضخّه إلى الداخل الإسرائيلي قد بدأت بالفعل، وأمّا الإنتاج الحقيقي فينتظر أيّاماً قليلة.

تجدر الإشارة إلى أنّ إعلان شركة إنيرجاين اليونانية تأجيل بدء استخراج الغاز بضعة أسابيع (المرجّح إلى أوائل تشرين الأوّل) لا تأثير له على مجمل مسار الترسيم الذي يتنازعه سؤال محوري: من سيتنازل لِمن في ترسيم الحدود البحريّة؟

 

الأفخاخ الإسرائيلية الثلاثة

يقول مصدر متابع معنيّ بملفّ الترسيم لـ “أساس” إنّ هناك ثلاثة فِخاخ إسرائيلية يُفترض بالجانب اللبناني أن يكون لديه تصوّر واضح لكيفية تجنّب الوقوع فيها:

1- المشكلة الكبرى اليوم هي نقطة رأس الناقورة. يسعى الإسرائيلي إلى أن “يزيحها” شمالاً فيما يجب على الجانب اللبناني أن يُبقي عليها كما هي اليوم لأنّها مثبّتة في اتفاقية “بوليه نيوكومب” منذ العام 1923. هذه نقطة خلافية بامتياز لأنّ خطّ الطفّافات يشكّل عمليّاً بداية الخطّ 1 الإسرائيلي (انطلاقاً من النقطة 31) بعمق يبلغ نحو ستّة كلم، تريدها إسرائيل بمنزلة منطقة أمنيّة عازلة ترفض أيّ سيطرة لبنانية عليها. وفي حال موافقة لبنان على خطّ الطفّافات سيؤثّر ذلك حكماً على مواقع ونقاط استراتيجية في رسم الحدود البرّية تطال نقطة رأس الناقورة وB1 ونفق الناقورة.

وأيّ تنازل لبناني في هذا السياق يُعتبر مخالفة دستورية، ولا سيّما المادّة الثانية منه التي تمنع أيّ تنازل عن أيّ جزء من الأراضي اللبنانية.
يطرح مصدر معنيّ بالملفّ سؤالاً مفاده: “هل يجرؤ الجانب اللبناني على طلب ربط خطّ الطفّافات المقترح، أو آخر موقع طفّافة، بنقطة رأس الناقورة الأصلية “الكاشفة” لمنطقة فلسطين البرّية والبحرية المحتلّة؟ وهل يقبل الإسرائيلي بذلك؟

2- إلى أيّ مدى يمكن للجانب اللبناني أن يطمئنّ إلى ما قاله هوكستين في شأن تعويض شركة “توتال” لإسرائيل بعد التسليم بأنّ كامل حقل قانا من حصّة لبنان. هذا نقاش يمكن أن يمتدّ لسنوات بين “توتال” وإسرائيل ويحتاج إلى اتفاق مكتوب بين الجانبين. فحقل أفروديت مثلاً هو نقطة نزاع ما تزال قائمة منذ 2013 حتى اليوم بين قبرص وإسرائيل مع أنّه حقل محدّد وحصة كلّ دولة فيه معروفة على عكس حقل قانا المحتمل الذي لا توجد معلومات تفصيلية عن حجمه وامتداده وكميّات النفط والغاز التي يحتويها.
3- ما هو مصير البلوك رقم 8 واحتمال وجود حقل مشترك فيه يمتدّ إلى جنوب الخط 23 كما تمّ تبيانه في وسائل الإعلام منذ مدّة عندما جرى الحديث عن حقل قانا الغربي المحتمل؟ وهل تمّ وضع اتفاق إطار لتقاسم الحقول المشتركة على طول الخط البحري الذي يتمّ التفاوض عليه الآن، أم تُترَك لإسرائيل تفاصيل الشياطين ووضع الشروط والعراقيل المستقبلية التي تبدأ ولا تنتهي لمنع لبنان من بدء الإنتاج من هذه الحقول المشتركة بعد أن تكون قد ضمنت إنتاج النفط والغاز من حقل كاريش؟

 

ملاك عقيل – أساس ميديا