أي رئيس لأي لبنان؟

شكر النائب والوزير السابق والمرشح لرئاسة الجمهورية سليمان فرنجية الرئيس ميشال عون لأنه لم يسمح له بالوصول إلى قصر بعبدا، وأوضح أنه كان سيفشل حتماً لو حظي بلقب «الفخامة» قبل ست سنوات، لأن «العونيين» كانوا سيعرقلون عمله وسينكّلون ويشهّرون به، معتبراً أنه «زمط بريشه».

ربما علينا جميعاً كلبنانيين أن نشكر عون، ولكن ليس للأسباب ذاتها، ولكن لأن ما شهدناه من فظائع بسبب جشع الصهر إلى النفوذ والسلطة، وان لم تكن كلها من مسؤولياته، ساهم بكسر الحواجز والأنماط السياسية التي سمحت لهذه المنظومة ومن يديرها بوصولنا إلى ما نحن فيه.

والأهم أن هذا العهد علَّم اللبنانيين الكثير الكثير. وكل ما لم يتحقق حتى اليوم، سيتحقق حتماً مع الآتي من الزمن، بفضل مساهماته التي قضت على الدولة ومؤسساتها وإداراتها.

وهذا العهد بيّن بالبرهان واليقين أن شخصيات من قماشة كل من يدور في فلك المنظومة لن تقود البلاد إلى أي خلاص أو توقف انهياره.

ولعل فرنجية لا يريد أن يصدِّق ذلك. ولعل المسترئسين الآخرين أيضا لا يريدون أن يصدقوا ذلك، ويعتبرون أنهم أفضل بكثير من عون الذي حصل على دوره، وعليه أن يفسح في المجال ليصل الدور إليهم تباعاً، تماماً كما في ألعاب الصغار.

بالتالي، ليس ممنوعاً على «البيك» أن يجرب حظه من خلال جملة شعارات ومواقف تلعب على وتر المشاعر اللبنانية القائمة على مفاهيم اجتماعية تعتمد النخوة على طريقة «القبضاي».

ولا يلام فرنجية الحالم بالكرسي، والحريص في الوقت ذاته على الظهور بمظهر اللامبالي وغير المستعد للتنازل مقابلها… إن هو اعتمد هذا المنهج في الترويج لنفسه رئيساً… فهو من طبقة سياسية تعتبر أن من حقها أن تحكم وتورِّث أولادها، وتتعايش مع الجميع وتهادنهم أو تخاصمهم وفق متطلبات المرحلة. لكنها تستشرس عندما يتعلق الأمر بمصيرها السياسي وبنفوذها.

فهذا المصير دفع مقابله فرنجية ثمناً دموياً قاسياً. قالها عندما سأله أحدهم من الجمهور الحاضر في الاستديو عن موقفه ممن اغتالوا الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وأوضح أنه عض على جرح جريمة قتل عائلته، وتابع المسيرة. والواقعية تفرض على أولياء الدم الآخرين أن يحذوا حذوه.

وهو يحسب أن كونه «مارونياً مسيحياً لبنانياً عربياً وملتزماً بالطائف» يكفي لتسويق مواصفاته كرئيس عتيد، كما كرر خلال مقابلة أوحى أنها ستكون الأخيرة، وإذا لم يصل سينكفئ عن العمل السياسي. ولن يحاول مرة جديدة، و»الرئاسة بتروح وبتجي وبتبقى الكرامة».

فرنجية، الذي لم يعد، كما يبدو الأوفر حظاً في السباق إلى كرسي الرئاسة، نطق كمن في فمه ماء. حاول وهو يستعرض مواصفاته اقناع «حزب الله»، وفقط «حزب الله»، أنه يستطيع غش باقي الأطراف اللبنانية والقوى الإقليمية والدولية الفاعلة، برفعه شعارات ترضيهم في الظاهر، ولا تغير من باطن الالتزام على الرغم من مساعي تحسين الصورة.

إلا انه وقع في مطبات لا تعد ولا تحصى، ساهمت بكشف بدائية ما مقابل التحديات التي تفرض انقلاباً شاملاً على كل ما كان سائداً.

ومعروف أن فرنجية يرفض الاعتراف أن لبنان لم يعد كما كان عندما ورث الزعامة، ولم يعد كما كان قبل سقوطه المدوي إلى جهنم.

وهو بالتأكيد لم يطرح على نفسه سؤالاً جدياً عن متطلبات اللبنانيين. يعتقد أنهم لا يغيرون شيئاً في المعادلة. هو يحاول تلبية متطلبات المؤثرين على مصير الرئاسة، أي متطلبات الناخبين الكبار الذين بدورهم لا يعرفون أي رئيس يختارون ولأي لبنان… لأنهم لا يزالون متمسكين باللغة الخشبية ذاتها، في حين أن النار المستعرة ستحرق كل شيء…

 

سناء الجاك – نداء الوطن