أيّهما أبدى: الاستحقاق أم شخص الرئيس؟

ليس سراً ان التنسيق السعودي – الفرنسي بشأن لبنان قائم. وليس سراً أيضا ان التفاهمات بين الطرفين في ما يتعلق بكيفية مقاربة الملف اللبناني لا تحجب تباينات جذرية بينهما. الرياض وباريس متفقتان على ان لبنان لا يجوز ان يُترك على المستوى الإنساني الاغاثي، وأيضا على مستوى الحثّ الدائم للطاقم الحاكم في لبنان من اجل القيام بواجباته لفتح الباب امام المجتمع الدولي (صندوق النقد الدولي) لاطلاق برنامج إنقاذ مالي واقتصادي يحتاج اليه البلد. في هذه الحالة يتواصل العمل في اطار الصندوق السعودي – الفرنسي المشترك على كامل الأراضي اللبنانية، كما لا تتوقف باريس ومعها الرياض عن تذكير المسؤولين اللبنانيين بضرورة الاضطلاع بواجباتهم في سبيل اطلاق عجلة الإصلاح والإنقاذ كشرط لازم لاستدراج المجتمع الدولي لملاقاتهم في منتصف الطريق. فالانقاذ يحتاج أولا الى إرادة لبنانية وإجراءات ملموسة حتى يقتنع المجتمع الدولي بأن اللبنانيين حقا قرروا الخروج من المستنقع الذي غرقوا فيه. في المقابل هناك مَن يقرأ ان ثمة تباينا واضحا بين كل من الرياض وباريس في ما يتعلق بمقاربة الملف اللبناني سياسيا. وبحسب القراءة عينها بالنسبة الى موضوع الاستحقاق الرئاسي لا يهمّ باريس شخص الرئيس أو مواصفاته بمقدار ما يهمّها في الوضع الراهن ان يتم الاستحقاق تلافيا لدخول لبنان في متاهات الشغور الرئاسي، وبالتالي تحدث ازمة سياسية – دستورية إضافية تزعزع أسس الكيان اللبناني اكثر مما هو مزعزع اليوم. ودائما بحسب القراءة إياها، فإن السعوديين مهتمون بالشخص وبالمواصفات، وإن كانوا يبدون عموما تحفّظا عن تناول الشأن اللبناني، ورؤيتهم ان شخص الرئيس سيكون له تأثير على المرحلة المقبلة. فإذا كان الرئيس من الفريق التابع لـ”حزب الله”، فكيف إذاً يمكن اطلاق عملية انقاذ تنخرط فيها الدول العربية والأجنبية ما دامت رئاسة الجمهورية ومعها المؤسسات الرسمية اللبنانية واقعة تحت سيطرة الحزب الذي يدار من ايران؟ اكثر من ذلك، كانت وجهة النظر السعودية التي تناهت الى مسامع القيادات اللبنانية السائلة تفيد بان المهم هو اعادة التوازن السياسي الى المعادلة اللبنانية كشرط لانخراط عربي واسع للمساهمة في انقاذ لبنان. هنا الفارق بين مقاربة باريس التي تصر على الأخذ بواقع هيمنة “حزب الله” على الساحة اللبنانية، والتعامل معها كأمر واقع يسمح بمواصلة الانخراط الدولي في لبنان بما يؤدي في مكان ما الى الحؤول دون إحكام الحزب المذكور كامل سيطرته على الساحة. بمعنى آخر، لا تمانع باريس في حصول عملية تقاسم للنفوذ في لبنان بينها وبين حلفائها من دول عربية مركزية، وبين ايران، على قاعدة ان النفوذ الإيراني واقع لا يمكن تغييره، لكن يمكن منعه من احتلال كامل المساحة في لبنان. من هنا ثمة من يبرر تزايد زخم التواصل بين الفرنسيين و”حزب الله” في لبنان بقراءة باريس للواقع وتعاملها مع ما تعتبرها “حقائق”. انما باريس تعرف انها في المعادلة الحالية لا تتقاسم النفوذ مع طهران لان الأخيرة تمسك بمفاتيح البلد بكامله. فالكلام عن ان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي هي حكومة فرنسية – إيرانية بشكل غير مباشر غير دقيق، لأن الاطراف القريبة الى باريس في الحكومة محاصرة. حتى الرئيس ميقاتي نفسه ليس “فرنسيا” بالمعنى الحرفي، فعنده تتقاطع باريس وطهران، لكنه كالحكومة بأسرها رهينة بيد من يمسك بخيوط البلد من المؤسسات الى الأرض.

إنها معادلة معقدة. والرهان على دور فرنسي – سعودي مشترك يحتاج الى تفاهمات اكثر لا تزال محصورة ضمن الاطار الاغاثي – الإنساني. فالسياسة تبقى المفتاح.

 

 

علي حمادة – النهار