أربعون يوماً…

أربعون يوما ليرحل الرئيس ميشال عون الى منزله. في العادة هذه مدة قصيرة، لكن في حالة عون انها مدة طويلة. لماذا؟ لأن رئيس الجمهورية يمكن ان يفاجئنا بخطوة من خارج الحسابات تقلب المسار رأسا على عقب. هذا الكلام ليس من باب الاطراء، بل من باب التأكيد ان الاتيان بالجنرال ميشال عون الى رئاسة الجمهورية كان اكبر الأخطاء التي ارتُكبت سنة 2016، ولأن الرجل لا يتمتع بحسّ المسؤولية المؤسساتية. كان طوال عمره عنوانا للخلافات، والنزاعات، والفراغ المؤسساتي، ولم يتغير. من اجل مصلحته وطموحاته هو مستعد لأن يهدم بلدا بكامله فوق رؤوس اهله. حصل الامر قبل نحو أربعة عقود، ويمكن ان يحصل مرة جديدة بعد أربعين يوما. والبداية يمكن ان تأتينا من باب النقاش لتشكيل حكومة وعد بها الرئيس نجيب ميقاتي قبل مغادرته الى لندن ثم نيويورك، وقوله في آخر زيارة له الى قصر بعبدا، انه بعد عودته سوف يحضر الى القصر الجمهوري ولن يغادر قبل تشكيل حكومة جديدة ولو لزم الامر سينام في بعبدا. طبعا هذا التعهد من الرئيس ميقاتي مرده الى ان الجميع خضعوا لضغوط “حزب الله” من اجل الاسراع بتشكيل حكومة جديدة تشكل نوعا من الالتفاف على مخطط عون لنسف عملية الخروج السلس من قصر بعبدا. بمعنى انهم يريدون نزع فتيل الازمة التي يمكن ان يفتعلها بذريعة انتهاء الولاية الرئاسية مع وجود حكومة تصريف اعمال. في هذه الحالة يُخشى ان ينفذ عون وعيده القديم بأنه “لن يسلم للفراغ”! هو سيعتبر ان حكومة تصريف اعمال وشغور الرئاسة هما رديفا الفراغ في السلطة التنفيذية، وتاليا يباشر تنفيذ خطة التمرد بما يفتح ازمة سياسية – دستورية، ولا سيما ان الدستور في لبنان أصبحت نصوصه خاضعة لوجهات النظر المتضاربة من هنا وهناك. ويمكن عون ان يفتح بازار الأخذ والرد حول الحكومة الجديدة مع ميقاتي، وفي النهاية يقوم بإجهاض المحاولة من خلال رميه على الطاولة مزيدا من المطالب المتعلقة بتوليفة الحكومة المأمول تشكيلها.

ان الوعود الحكومية للرئيس ميقاتي يمكن ان تسقط امام تمسك عون بمطالب غير منطقية ولا معقولة، بما يحول دون ولادة حكومة جديدة قبل انتهاء ولايته، فينتقل الى المرحلة الثانية من خطته التي لم تعد سراً. أي الى مرحلة التمرد وفتح باب لأزمة متعددة الوجه في البلاد.

ثمة قيادات سياسية تعتبر ان إصرار “حزب الله” على تشكيل حكومة جديدة قد لا يكون هدفا نهائيا. وثمة من يرى ان الإصرار الفرنسي على أولوية الانتخابات الرئاسية في موعدها، يعود الى تخوف الفرنسيين من ان يستقر الوضع على فراغ رئاسي يفتح الباب (حتى لو تشكلت حكومة جديدة) على عرقلة عمل الحكومة بشكل منهجي بذريعة الفراغ نفسه. ولا يغيب عن البال ان الحكومة التي قد تتشكل لن تعكس توليفتها تركيبة المجلس ولا توازناته. فمحاولة رئيس الجمهورية المنتهية ولايته بعد أربعين يوما انتزاع حصة رئاسية وازنة ليست من حقه أصلا، سيكون بمثابة تحريف لا لبس فيه لتركيبة مجلس النواب. كما ان محاولة انتزاع كامل الحصة المسيحية في الحكومة المزمع تشكيلها سيكون بمثابة تعدٍّ على الواقع السياسي للبلد. فبالرغم من كون عون على رأس الهرم الرسمي المسيحي بحكم موقعه الرئاسي، غير انه في الحادي والثلاثين من تشرين الأول المقبل ينهي ولايته، كما انه لا يمثل بأي وجه من الوجوه المكونات المسيحية بأسرها، بل ان تمثيله يقتصر على كتلته النيابية فقط. لذا لا يجوز ان يكون له تمثيل وزاري كرئيس بعد انتهاء ولايته الرئاسية.

 

علي حمادة – النهار