تحدّي تحرير الرئاسة

يومان ويدخل لبنان في المهلة الدستورية التي يتحول فيها مجلس النواب الى هيئة ناخبة لمنصب رئيس الجمهورية. وعلى رغم ان الاستحقاق الرئاسي هو الأساس اليوم، يُفاجأ المراقب بـ”النوبة” المستجدة لتشكيل حكومة جديدة، في وقت يجب ان تنصبّ كل الجهود لإتمام الاستحقاق الرئاسي، أولا بانتخاب رئيس جديد يستحقه لبنان، ثانيا بخروج الرئيس ميشال عون بنهاية ولايته من قصر بعبدا مهما كلف الامر، وخصوصا مع تفاقم هلوسات البطانة إياها بأن عون لن يخرج اذا لم يُنتخب رئيس قبل نهاية ولايته، وانه لن يترك الرئاسة للفراغ. هذا جنون يعود الينا من زمن جنون نهاية الثمانينات من القرن الماضي. لذا فإنه من المهم بمكان ان يدرك مَن يلعب بالنار الرئاسية انه يجب اخراج عون من بعبدا في الدقيقة التي تلي انتهاء ولايته الرئاسية. وأيّ تمرد يجب إخراجه عنوة بقوى الشرعية اللبنانية التي نأمل ان تدرك، لاسيما مؤسسة الجيش، ان تمردا جديدا في رئاسة الجمهورية لا يمكن امراره قطعاً. إن من واجبات المؤسسة ان تسارع فوق كل اعتبار الى المحافظة على ما تبقّى من هيبة معنوية للموقع في مرحلة قد تكون معبراً لنسف أسس الكيان اللبناني. إن اخراج “حزب الله” من قصر بعبدا يوازي في اهميته امر اخراج عون بنهاية ولايته. بمعنى آخر يجب خوض مواجهة سياسية جدية بمواجهة الحزب المذكور لقطع الطريق على المرشحين الذين يقف خلفهم.

إن بقاء الحزب إياه في بعبدا بعد رحيل عون يحتاج الى ارتقاء في اساليب العمل السياسي لدى القوى التغييرية والسيادية على حد سواء. لا يمكن السماح ببقاء حالة احتلالية هي نقيضة معنى لبنان في الرئاسة اللبنانية اكثر مما حصل. من هنا نقول انه يجب التصدي للمرشحَين اللذين يتردد اسماهما على كل الالسنة، واجهاض طموحاتهما للعب دور الواجهة لتمديد حكم “حزب الله”. يجب التصدي لجنون الجنوح الى التمرد، كما يجب التصدي لمشروع “حزب الله” الذي نعرف انه فرض نفسه حتى الآن من خلال تواطؤ البعض، واستسلام البعض الآخر.
إننا على يقين ان “حزب الله” سيحاول فرض رجل له في سدة الرئاسة، فهو يشعر انه منتصر داخليا، وقوي خارجيا من خلال المفاوضات حول النووي الإيراني، وأيضا من خلال خوف الإسرائيليين والاميركيين من اندلاع حرب في المنطقة. “حزب الله” يلعب على وتر البراغماتية المتخاذلة للاوروبيين، ولنا في سلوك الفرنسيين في لبنان، وعلى طاولة المفاوضات في ڤيينا خير مثال على مسار الهرولة نحو الإيرانيين. وهذا من الأسباب التي دفعت الدول العربية المركزية الى النأي بنفسها عن الحرب الباردة الجديدة في أوروبا، وقد لمست كيف ان أوروبا اشبه بمخلوق متردد في الدفاع الجدي عن نظامها، وفكرتها بمواجهة الاوتوقراطية الروسية التي تعمل بلا هوادة على تدمير جميع مكتسبات البناء الأوروبي ما بعد الحرب العالمية الثانية.

ان انتخاب رئيس جديد للجمهورية هو المهمة العاجلة التي يجب الاضطلاع بها، واتمامها. والأهم كسب تحدّي اخراج “حزب الله” من قصر بعبدا وتحرير الرئاسة من الهيمنة التي تتحكم بها راهنا، كخطوة أولى لاستعادة شيء من التوازن الوطني الذي اختل بشكل حاد خلال ولاية الرئيس الحالي. فليكن التغييريون والسياديون على مستوى التحدي.

علي حمادة – النهار