“محقق المرفأ” والحزب العملاق!

ما بين الخطب المتعاقبة في مجلس عاشوراء والمواقف المعلنة من ملف الترسيم والتنقيب عن الغاز والمواقف التي أعلنت في الذكرى الثانية لانفجار 4 آب والتحقيق المعطل فيه ، بلغت سقوف “#حزب الله” ذروتها في الانفصال عن مجموع ادبيات الداخل السياسي اللبناني بكل اتجاهاته سواء المتحالفة معه او المناهضة له. بطبيعة الحال ليست هذه “الرزمة” المحتدمة من المواقف “العالية” النبرة ان في اتجاه العدو او في اتجاه الداخل غريبة او غير مالوفة على استراتيجية “حزب الله” في الدعاية التوظيفية والشعبوية وهو من اكثر الأحزاب والافرقاء اللبنانيين الذين يتقنون ويمارسون كل صنوف التوظيف الدعائي لتضخيم المضخم واستغلال فائض القوة الذي يتظلله في مقارباته مع الداخل والخارج. غير ان “الهجمة” الدعائية الأخيرة في مروحة واسعة من ملفات وقضايا وتطورات كثيفة تتسم باستثنائية خاصة ، اذا صح التعبير ، لكونها تأتي في اشد اللحظات اللبنانية حرجا من جهة ولأنها تمزج الإقليمي بالمحلي بما يستدعي التدقيق في خطاب الحزب خصوصا ان زعيمه لم يجد حرجا اطلاقا في تناول مسالة “التكليف الإلهي” لحزبه في كل ما يقوم به .

لعلنا لا نغالي ان تساءلنا هل يدرك الحزب الذي يصور نفسه صاحب السطوة الكلية الساحقة ، والمتظلل بعقيدة النصر الإلهي ، ان الخطاب الدعائي هذا يرتد عليه بمزيد من هبوط الصدقية كلما امعن في الاستعلائية على غرار محاولة السيد حسن #نصرالله تحقير المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ القاضي طارق بيطار ؟ “محقق المرفأ” الذي يطالبه نصرالله بالتنحي ينطوي كتعبير على قلق هائل من التحقيق وليس على ثقة زائدة بان تنحيه سيكفي لجلاء الحقيقة. لسنا في معرض إعادة الوقائع لتبين التبعة الفادحة للثنائي الشيعي “امل” و”حزب الله” تحديدا ولو الى جانب اخرين في شل التحقيق وتعليقه وتعطيله بما ضاعف الشكوك والشبهات حيالهم الاف المرات. ولكن الاندفاع المتكرر الى تثبيت خطاب هجومي على التحقيق العدلي والهروب نحو مخارج مطعون فيها تلقائيا على غرار تلك السخافة المتصلة بهيكل شكلي لمحاكمة الرؤساء والوزراء مشكل في نصفه السياسي من فريق سياسي جانح ، يثبت بما لا يقبل جدلا ان اعتى الممارسات تدميرا للعدالة والقضاء في لبنان تجري على يد التحالف بين الثامن من اذار والعهد العوني. للأسف الشديد جدا ان القضاء لم يكن في مستوى الحد الأدنى من المسؤولية الكبيرة في الدفاع عن امتهانه وانتهاك حرمته واستقلاليته امام هذا الاندفاع الاستقوائي لحزب تتباهى طهران بانه سلاحها الاستراتيجي لإزالة إسرائيل من الوجود. ولا يقف الامر عند القضاء الذي لا يرد على كلام زعيم سياسي – ديني يحقر محققا عدليا ، فقبل ذلك كانت ثمة سوابق كثيرة لهذا الحزب المتباهي بمئة الف صاروخ كما يقول عنه قائد الحرس الثوري الإيراني وليس هو بنفسه بما يثبت التبعية الهرمية العسكرية والنظامية للحزب بالحرس ، في التقليل مرات مرات من تضحيات الجيش اللبناني نفسه ومسخ الدولة برمتها ولم يتطوع أي مسؤول كبير خصوصا في ظل العهد القوي للرد عليه .

الان عند مشارف حسم لحظة الحقيقة بين احتمالات المواجهة مع إسرائيل على خلفية تبادل التهديدات في ملف ترسيم الحدود البحرية وامام تصريحات قادة الحرس الثوري الإيراني عن ترسانة ذراعها في لبنان نتساءل عن سر تفرغ الحزب المدجج بكل هذا الفائض الأسطوري من القوة لمهاجمة “محقق المرفأ” المتمترس في وجه معطليه ؟

 

نبيل بومنصف – النهار