لا لتأبيد تسوية الهيمنة

حتى الآن يتمحور معظم الحديث عن مرشَّحي الممانعة اللذين يتصدران الواجهة الإعلامية. ويبدو ان ثمة ماكينة سياسية – إعلامية عابرة للأحزاب والطوائف تعمل بلا كلل لرسم صورة غير واقعية، لا بل مناقضة للحقيقة عن احدهما مفادها انه غير استفزازي، وتربطه علاقات ودية بعدد من القوى المحسوبة إما سيادية وإما تغييرية، إضافة الى قنوات اتصال بعدد من العواصم العربية، وديبلوماسيين غربيين معتمدين في لبنان. هذه الماكينة تضم قوى معتبَرة في المعادلة السياسية مثل الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي، وغيرهما. انما ثمة إشكالية رئيسية تجعل من الصعب جدا تقبّل فكرة ان يكون رئيس الجمهورية المقبل عضوا أساسيا في فريق يقوده “حزب الله”. فالتسوية الرئاسية التي تمت سنة 2016، انتهت بتسليم البلاد بطولها وعرضها للحزب المشار اليه. وقد انهار لبنان بفعل تضافر عاملين: الأول الهيمنة التي فرضها الحزب المذكور على البلاد إما بتواطؤ صريح من البعض، وإما باستسلام البعض الآخر لغلبة السلاح توخياً للسلامة ولتحصيل ما امكن من فتات المائدة. والثاني هذه الجريمة المتمادية التي اقترفها الطاقم الحاكم على اختلاف مشاربه وميوله بحق الشعب اللبناني من خلال دفعه دفعاً الى الفقر، والعوز، والمذلّة على مختلف الصعد. لم يكن رئيس الجمهورية الحالي وحده المسؤول. كان واحدا من بين مروحة واسعة من المسؤولين من أصدقائه وخصومه على حد سواء.

واليوم تحاول الماكينة السياسية – الإعلامية إياها التي دمرت لبنان ومستقبل اللبنانيين ان تخلق وهماً جديداً في السياسة لتقدمه الى الشعب الضحية لحمله على تقبّل فكرة رئيس يمدّد بوصوله الى قصر بعبدا تسوية رئاسية ما هي إلاّ الوجه الآخر لحالة التعايش مع نموذج الهيمنة الاحتلالية في البلد. هذه الأخيرة تتمثل في وضع السلاح على طاولة ما يسمى العيش المشترك الكاذب. هذا الوهم الذي نتحدث عنه قائم على مقارنة تبسيطية مع الرئيس الحالي وبطانته السيئة الذكر التي ألحقت بلبنان من الاضرار ما فاق الاضرار التي ألحقها أي رئيس سابق. والحال انه لا يمكن اعتبار مساوئ العهد الرئاسي الحالي إجازة اوتوماتيكية للإتيان بوجه آخر للسيطرة والهيمنة التي يمارسها “حزب الله”. ولا يمكن للمصالح الصغيرة والآنية ان تبرر الهرولة نحو تمديد للتسوية بوجوه أخرى.

لن نتحدث هنا عن معايير الكفاءة التي يجب ان تتوافر في الرئيس المقبل. ولكننا نود ان نشدد على معيار الاستقلالية التامة عن “حزب لله” من دون ان يعني ذلك ان الرئيس المقبل يجب ان يكون معاديا له. انما ان يُعمل على تمويه التبعية التامة بكلام عن صفات شخصية بالمعنى الاجتماعي هي نقيض الحالة العونية رئيسا وبطانة، فهذا لا يعقل.

ان الحوار اللبناني – اللبناني حاجة دائمة، لكنْ ثمة فِخاخ منصوبة على طريق الحوار، لا سيما ان الطرف المعني هو صاحب مشروع لا يكلّ ولا يملّ من نسف أسس الكيان من جذوره. وإحدى ادوات المشروع إبقاء قبضته الحديدية على رئاسة الجمهورية.

لا بد من البحث عن أسماء لمرشحين يليقون بالموقع، ويليقون بأحلام اللبنانيين الذين يعيشون اليوم في “جهنم”. هؤلاء يتوقون الى تغيير، وليس الى تأبيد هذه الحالة المقيتة التي تسقيها مساوىء أسوأ طاقم حاكم عرفته البشرية! فلنحسن الاختيار عند الاستحقاق.

 

علي حمادة – النهار