لا يزال الطاقم السياسي اللبناني يصرّ على مواصلة اللعب على حافة الهاوية في ما يتعلق بموضوع الانتخابات الرئاسية. رئيسا الجمهورية والحكومة يتناوبان على تنفيذ مناورات سياسية بلدية ضيقة الأفق. الأول يرفض ان يعترف بأن عهده المشؤوم صار في نهايته، وانه بلغ اقل ما يقال خريف العمر. يريد ان يشكل حكومة لا يسعه ان يطالب بها، فحجمه السياسي لا يمنحه الحقّ في ان يتحكم بحكومة مكتملة الاوصاف بعد ان يخرج من الرئاسة، هذا اذا خرج ولم يدفع بالبلاد الى ازمة تذكّر بمرحلة تمرده في نهاية ثمانينات القرن الماضي. لا يحق للرئيس ميشال عون ان يطالب بأكثر مما يستحق. أما رئيس الحكومة الذي انتزع التكليف كي لا يؤلف، فلا يحق له ان يستخدم ورقة تشكيل الحكومة في معرض محاولته ورئيس مجلس النواب نبيه بري إيصال مرشحهما الى سدة الرئاسة. وللتذكير فإن مرشحهما هو عمليا مرشح “حزب الله”، مما يعكس سعيهما لإدامة مرحلة سيطرة الحزب المذكور على البلد، وانتزاعه القرار السيادي فيه.
إن مجرد الحديث عن لقاءات هو اقرب الى مناورات معيبة بهدف تشكيل حكومة جديدة في وقت ينوء المواطن العادي تحت ثقل الازمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية المهولة، وهو إهانة أخرى تضاف الى سجل الاهانات التي يوجهها الطاقم الحاكم باستمرار الى المواطن اللبناني. هؤلاء الحكام مصممون على اقتلاع آخر انفاس اللبنانيين.
ان الحديث المستجد عن ان خيار رفض رئيس الجمهورية مغادرة القصر الجمهوري في بعبدا قائم ضمن سلة خيارات الرئيس عون أمر خطير للغاية، لا بل انه ضربٌ آخر من الجنون، يجب ان يواجَه بقوة وعزم من صلب الطائفة المارونية، ومعها بقية الطوائف المسيحية حيث إن الاذية التي ستقع على الموقع من جراء هذا النوع من الرعونة، مؤداها ضرر كبير على اللبنانيين، وبالاخص على المسيحيين، لا سيما ان الشخص عينه يتهيأ لتكرار تجاربه الكارثية من دون ان يرفّ له جفن. هذه المرة لن يكون الرئيس عون سوى واجهة لبطانة تدفع بالبلاد الى ما يتجاوز الحضيض. وفي النهاية سيخرج كل اللبنانيين، وفي المقدمة المسيحيون، وخصوصا الموارنة، بكارثة حقيقية. وحده سيربح الفريق الذي كان ولايزال يعمل بلا هوادة لتغيير هوية لبنان، وتاريخه، وتنميط الحياة فيه، مدفوعا بقوته، ولكن، وهنا المهم، مدفوعا بغباء الآخرين، وطمعهم، وشبقهم للسلطة على التفاهة التي أمست عليها.
ان المهمة الأولى التي يجب ان يضطلع بها مجلس النواب الآن هي المسارعة الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وبناء عليه لا تعود ثمة ضرورة للعمل على تشكيل حكومة في الأيام القليلة الأخيرة من ولاية عون، على قاعدة ان الاستحقاق الرئاسي لن يتم. ما يجري اليوم هو مناورة متعددة الطرف، ومتقاطعة في تناقضاتها الظاهرية، وهي لن تخدم سوى اجندة الطرف المهيمن الذي يحاول ان يحصد جميع “الجوائز” دفعة واحدة، من يريد أحد اثنين للرئاسة، ومن يريد إبقاء تيار رئيس الجمهورية تحت مظلته، ومواصلة تجويف النظام اللبناني بكل وجوهه بغية استكمال تدميره. والمشكلة ان بعضا ممن يتغنون بلبنان والفكرة اللبنانية هم من يعبّدون بغبائهم وتواطؤهم إما عن عمد وإما عن جهل الطريق لجعل لبنان سجنا كبيرا يُحكم من تحت الأرض!ّ
علي حمادة – النهار